لابدّ أن أعثر على طريقة، أرشو بها سكرتيرتك الفرنسية شديدة التكتُّم، كي تبوح لي بقائمة مواعيدك، بأسرار رزنامتك وتواريخ أسفارك. لابدّ أن أغوي يوماً بوابك البرتغالي دائم الفضول، عساه يشي لي بأيام قدومك، بوضعك الصحي، وبهيأة مَن يأتون لزيارتك.
لابد أن أشتري ثرثرة شغالتك الفلبينية، لتشكو لي عاداتك في غيابي.. كم استهلكت من مناشف؟ وهل عن ابتهاج عاطفي، كعادتك، اقتنيت طقماً جديداً من أفخم الشراشف؟ وهل تشي بك صباحاً مباهج السهر، وبقايا نبيذ فرنسيٍّ فاخر على طاولة صالونك؟
لابد أن أُبرم صفقة تجسُّس مع ساعتك السويسرية، المفرطة في الدقة، عساها تقدم لي تقريراً عن عدد الدقائق، التي تنشغل فيها عني، والمرّات التي تلقي نظرة عليها، مستعجلاً موعداً مع غيري. لابد أن استجوب أحذيتك الإيطالية فائقة الاستعلاء، كي تعترف لي تحت التهديد بالعناوين التي تقصدها عندما لا أكون معك، والمشاوير التي تأخذك إليها لتلتقي سواي.
لابد لهاتفك الياباني، أن ينضم إلى فريق جواسيسي، أن يغدو عميلاً لي يختبئ في جيبك، أن يرنَّ لي كلما طلبت رقماً غير رقمي، أن يزوّدني بصور يلتقطها، حيث تتوقف نظراتك. ثمّ.. لو فشلتُ في شراء ذمّة حاجاتك، وطاقم خدَمك.. وسائقيك.. وسكرتيراتك.. ولم أجد، من بين مَن سبق أن اشتريتهم قبلي، مَن يقبل أن يبيعني أسرارك، سأشي بك إلى وكالة الاستخبارات الأميركية، لكونك رجلاً طاعناً في الإرهاب العاطفي، لم يحِد يوماً عن “القاعدة”، التي تُجيز للعاشق خطف طائرة، للوصول في الوقت إلى موعد. سأُلفّق لك ما يكفي من التُّهم، إلى حدّ إقناعهم بإلغاء جميع رحلاتك، وتصوير مفكرة تليفوناتك، وحجز مفاتيح بيوتك، وجواز سفرك الأخضر. عندها فقط، يمكنني اقتيادك إلى أحد معسكرات الاعتقال العاطفي، وعقد جلسة لفضّ النزاع مع قلبك العربي، الذي عند كلّ نقطة تفتيش عاطفي، يمتطي صهوة غضبه، ويشهر سيف غيرته، ويهمُّ بقتلي... قبل أن يُحاكمني.
خاص:
أيُّها القديس فالنتاين.. يا شفيع المحبين والعشاق.. تجد هنا نسخة عن قائمة بطلبات عاشقة عربية، لا حول ولا قوة لها، في مواجهة العولمة العاطفية. كلِّي ثقة بمعجزاتك.
زمان كانوا بيقولوا الفاضي يعمل قاضي، إنما دلوقت كل الناس عينت نفسها قضاة وآلهة كمان لو حكمت لزوم الحكم على بقية البشر ..
مع إن البشر كلهم فيهم نفس الهرمونات ونفس التكوين البيولوجي العام، إنّما كلهم بيحكموا على بعض بالظاهر بأحكام لا أخلاقية ولا منطقية، وممكن قوي نتكلم عن حاجة وإيه دا، مع إننا كلنا بنعملها أو نفسنا نعملها..
المثل دا عبقري، اللي بيقول: من يده في الماء ليس كمن يده في النار
كل الناس يتحدثون كأنّ أياديهم في الماء، وكأنهم توًا قاموا بحلّ كل مشاكلهم، ولم يبقى سوى التفرغ للآخرين، نقد، قدح، إشاعات، أخبار بغض النظر عن صحتها من عدمه.. ويا ليتهم يصدقون عندما يُسألون..
من الذي قال أنّ كل إنسان ينتوي بصدق وإخلاص أن يغيّر العالَم، بينما لا أحد ينوي أن يغيّر نفسه؟
هو صادق تمامًا على أيّة حال.. إذا أرادت النّاس كلها أن تغيّر امرؤ لا يريد أن يتغير، فلن يتغير ولو انطبقت السماء على الأرض، ولو أراد الشخص أن يغير شيئا في نفسه، سيغيره ولو عاداه العالم أجمع.
لأنني تذكرتُ موقفًا مماثلا، بعض الأشخاص عندما تشكو لهم من شيء، تجدهم قد استدعوا من الذاكرة ما حفظوه قديمًا وأخذوا يرصّونه أمامك سريعًا، لا أدري كيف يفكرون حين يفعلون هكذا.. في الواقع هم يشعرونني أحيانًا أنّني في مشكلة حقيقية وينقلب الأمر لأجد أنني أخفف عليهم المشكلة وأواسيهم! وأنا أعلم تمامًا أن هذه الاسطوانة ليست مواساة، وإنما موشّح محفوظ - مع احترامي لكافة الاسطوانات والموشّحات والترانيم ... إلخ - في أماكنها !
ما دفعني لكتابة هذا الكلام هو هذا الكلام! المهم، أنني تعبت.. ماديًا لا نفسيًا، وحقيقة لا مجازًا .. اكتفيتُ بحق، من كلّ شيء، قديمًا جاء رجل لعليّ بن أبي طالب يقول له أنه يرّبي أبناءه على ما تربّى عليه، فعاتبه وقال: لا تفعل، لأن زمانك غير زمانهم.
وأنا أتأمل الشباب، أو حتى الكبار، حقًا أشعر أنني لا أنتمي إلى هنا، لولا أصدقائي القليلون لا أدري ماذا كان مصيري حاليًا، ولا أريد أن أتخيّل، باركهم لي الله وأدامهم في حياتي..
من أسوء الأشياء أن تؤثر النفسية على الجسد، لم أصدّق هذا الأمر إلا مؤخرًا عندما أصبحتْ نار الله موقدة في أحشائي بسبب أقل توتر أو حزن، رغم احتياطاتي المادية كلّها إلا أنني سلّمتُ أن الروح والنفس أشياء ماديّة لكننا فقط لم نصل إليها بعقولنا القاصرة.. وأن تعريف"المادة" قاصرًا جدًا بعد.. الكثير من الماديات التي تحصل معنا ليس لها تفسيرًا ماديًا "حسب التعريفات التي نعرفها".. "الأرواح جنود مجنّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف" حديث صحيح
تبقى واحدة متدينة ومنقبة وتقول لك: والله مش ح اقدر اروح الفرح النهاردة بتاع فلانة، بطني واجعاني قوي، انا ح اعتذر لها بقى واقول لها اي حاجة، اقول لها ان ماما في المستشفى
الله؟ طب وتكدبي ليه يا بنتي ما انت عندك مغص- ما ح تزعل ما تتفلق يا ستي
---
واحدة يبقى جوزها نايم ويجيله تليفون: لا والله مش موجود
الله بتكدبي ليه؟
اصله يا عيني ما نامش من امبارح وما اقدرش اصحيه يا بنتي طب ما تقولي له نايم هو ح يقول لك صحيه؟ ماهو كده انت بتعود لسانك على الكدب، الكدب ده نجاسة ومش فارق فيه المتدين من اللي ما بيعرفش ربنا، انا ما شفتش حد ما بيكدبش ولا حتى الكدبات الصغيرة دي غير امي بس انا مش عايزة بس اقع في حيص بيص، يعني مش عايزة احدث بذنوبي اللي ربنا سترها ومش عايزة برضه اعمل ابلة حكمت وتظنوا فيا حاجة مش حقيقية انا كمان باعمل كده:
ازي ماما يا حبيبتي
- بتسلم عليكي يا طنط
ما حصلش، ماما ما سلمتش عليها ولا حاجة، امال باكدب ليه؟ ماهو ده كدب، وماحدش يقول لي دي مجاملة، فيه ستميت كلمة اقدر اقولها غير بتسلم عليكي وهي ما سلمتش عليها، انا باقول حاجة ما حصلتش لو مش عايزة حد يكدب عليا ولا حتى اقول كلام زي ده عشان لساني ما يتعودش
خصوصا ان البلد دي ما اتئذتش غير بالكدب، الهزيمة والنصر دول مقدر ومكتوب، وكل الناس بتتهزم، دي فرنسا احتلها النازي، يعني كله بيعدي، المهم ما يبقاش فيه كدب ويبقى كل حاجة على مية بيضا عشان ما نفقش نلاقي الهرم في الغردقة ونهر النيل تحت السرير زي ما احنا دلوقت، وعاملين زي بني اسرائيل في التيه، ونمشي نمشي نمشي ونوصل في النهاية لنقطة البداية اللي مشينا منها
لو عايزين نداوي المرض الرئيسي اللي أذى البلد دي، يبقى نداوي نفسنا منه
الكتابة تخيف . إنها تنمو مثل بذرة وتهدد بإفشاء سرّ. رولان بارت
الانتحار رفضٌ عابر، بينما الحياة رفضُ دائم. حليم بركات
أن تتوقـّع من العالم أن يعاملك بعدل لأنـّك انسان طيب، يشبه نوعًا ما توقّعك ألّا يهاجمك الثـّور لأنـّك نباتي . لاندرو
إذا ما لمسها، لم يكن يستطيع أن يحدثها، إذا ما أحبها، لم يكن يستطيع أن يغادر، إذا ما حدثها، لم يكن يستطيع أن ينصت، إذا ما حارب، لم يكن يستطيع أن ينتصر. من يكون هذا الرجل ذا الذراع الواحدة؟ أي رجل يحتمل أن يكون؟(أرونداتي روي)
ممارسةُ الكتابة كفعلِ انتحار معلَّق، أسلوبٌ مؤثر في مجتمعٍ يقيم وزناً للحياة، وأسلوبٌ فاشلٌ في مجتمعات التوحُّش. نحن مجتمعٌ متوحّش طيّب القلب سطحيّاً. أنسي الحاج
لم تشغلني أبدًا هذه المشكلة في السعودية، فأنا أرتدي ما أشاء بالمعنى الحرفي للكلمة، وألقي فوقها الرداء الرسمي، العباءة والطرحة ، وحيث أصل لوجهتي، أخلع العباءة لتظهر ملابسي الحقيقية، حتى رحلة العودة الميمونة!
في المدرسة كذلك أيضًا، بمجرد دخول المدرسة نكشف عن أنفسنا، كان الزي المدرسي الرسمي "مريلة" - أكره هذا اللفظ- كحلي غامقة اللون، تتفنن الطالبات في تغيير تفصيلاتها حتى تتميز عن زميلاتها وتخرج عن التوحيد الإجباري هذا، وكانت المشرفات دومًا يوحين لنا بأنّ من تقوم بعمل أزرار بدلا من إغلاق ياقة الـ"مريول" تمامًا هن "بنات صايعة" ويتم نهرهن في الـ"طابور الصباحي" الذي لم أكن أتلو فيه نشيدًا ولا أقوم بعمل شيء سوى تبادل الحديث مع زميلاتي، أو ملاحظة المعلمات، من أتت ومن لم تأتِ، كي نعدّ حصص الـ "فراغ" التي تنتظرنا!
عندما كنتُ في السنة الثالثة قمت بتفصيل زيّ بأزرار كنت أستمتع بتركها مفتوحة، كانت السنة الأخيرة، كنّا الكبار يعني وعايشين الدور! ولم أشعر أنّ هناك خطأ في الأمر، فكلّنا فتيات، كما أنّها تبدو أجمل مظهرًا، هذا بغض النظر عن الجو الحار والخانق دومًا، يكتمل بالمكيّفات المتعطلة أغلب أيّام السنة.. ولم أكن ألقى استهجانًا من المدرّسات، ربما لأنهنّ يثقن أنّني لا أفعل ذلك كي أجذب إحدى المعجبات !
عندما أتيتُ إلى مصر، احترتُ بشأن ما أرتدي، وجدتُ الفتيات ما بين حجاب ساتر لا يعجبني شكله، ما يسمّى بالإسدال، لم أحبّه أبدًا، فهو لا يفرق عن "عباءة الرأس" التي يرى المتشددون في السعودية أنّها الصواب المطلق باختلاف اللون، والتي لم أحبّها أبدًا كذلك، لأنني لم أر للاحتشام صورة واحدة ما سواها يكون فاضحًا.. أو ملابس عادية تعلوها طرحة صغيرة لا تعرف هل تستر أم تكشف .. كما لم أحب الخمار، ولم أجده يومًا ساترًا، فهو يجسّد الكتفين والصدر بشكل فجّ، ويبدو سخيفًا بحجمه الكبير وتجسيده لكل ما تحته في ذات الوقت، كما أنّه غير مرن، ولم أجد فعليًا ما أرتاح له نفسيًا..
فقررتُ البقاء على ما أنا عليه، وأن أرتدي العباءات الخليجية هناك وهنا، فأنا هي أنا والله هو الله، والرجال - السبب في حجابنا، وعذابنا في أحيان كثيرة - هم الرجال ! فما الداعي للتغيير إذن؟ مادمتُ مرتاحة هكذا فليس لأحد الحق بإملائي ما أفعل، أحيانا تعتريني رغبة في التغيير لكنها سرعان ما تزول حينما أتذكر صديقتي دائخة في محلات الملابس كي تجد ملابس صنعت للارتداء ( دومًا تذكر لي أن الملابس الموجودة بالمحلات مصنوعة لتخلع لا ليتم ارتداءها !)
المشكلة، أنّني اكتشفتُ أن من ترتدي ما أرتدي، وقد أصبحن كثر جدًا مؤخرًا، لا يوحين إلا بفكرة مما يلي:
1. خليجية قادمة لتستمتع بأرضنا ونستمتع بأموالها
2. امرأة سيئة الخلق تتخفّى
3. متشددة دينيًا ذات عقل متحجّر
4. مدام، على أحسن النوايا!
أذكر منذ عامين، موقفًا، كلما تذكرته ضحكت كثيرًا.. وشعرت بالحنق في نفس الوقت، لأننا نعطي أنفسنا الحق في تصديق أحكام مسبقة .. ثم أعود وأقارن نفسي في الفتيات بمن له لحية طويلة وجلباب قصير في الرجال، كيف يكون الانطباع المنعكس عنه؟ ربما لأخفف عن نفسي قليلا !
كنت مع عدة زميلات يتحدثن عن شيء ما من المفترض ألا يعجب زييّ لا أذكر كان أفلامًا أم أغان! وعندما سألتُ إحداهنّ، كذا؟ أجابت بوجل وكأنها تخشى أن أنفجر فيها لأصب عليها غضبي ولعناتي على فسقها وفجورها، ولما رددتُ عليها أناقشها، ردتْ تسأل صديقتي: إيه دا هي زينا؟! -لأ من كوكب تاني بمثّل إني مخلوق بشري !- ثم تابعت حديثها بعد أن أمِنَتْ "جحيمي"!
لماذا أكتب هذا الكلام الكثير؟ لأنّ بعض الناس يتصورون أن بجيوبهم مفاتيح الجنّة، من حقّهم أن يخمنوا أن فلانًا سيذهب للجحيم، وأنّ علانًا إن لم يوافقهم آراءهم سيبقى في السّعير.. يحكمون على أفعال النّاس من منطلق أنا الصواب المطلق وأنت الخطأ المتفحّم .. وعلى أحدنا أن يكون حطبا لجهنّم هو أنت بالطبع، إلا إن اتّبعتَ منهجي القويم!
وأصبحت كل فرقة\جماعة تضع نفسها محلّ "الفرقة الناجية"، ويمشون يعيبون في خلق الله، وعلى أحسن الأحوال، يشفقون عليهم من برجٍ عال، أولئك الذين يتردد في أذهانهم" كلها في النار إلا واحدة" فإن قيل من، قل: نحن وبالله التوفيق! درجة أنّ بعض الفتيات لا يرتدين البنطال مثلا أمام صديقاتها من ذوات الإسدال أو النقاب، هذه القصّة رأيتها كثيرًا، لهذه الدرجة أصبحنا في مصر- والتي ترى صديقاتي في السعودية أنها متحررة- نخشى الناس أكثر مما نخشى الله، وليس هذا بجديد، فقد ذكر الله ذلك في القرآن، وعاتب رسوله على ذلك في قصّة زينب.. لكن شتّان بين خشية وخشية، فرسول الله كان حييًا وما عاتبه الله فيه كان أمرًا قلبيًا من الدرجة الأولى، إنّما يصل الأمر درجة فعل شيء أمام بعض الخلق والخالق، وبتعمد كامل؟ وأمام البعض الآخر لا، خشيتهم فقط؟
من الآخر يعني، لو الحاجة دي صح ليه ما أعملهاش حتى لو شافني العالَم كله؟ وأردّ عليهم بقوة من معه الحق؟ أنا حردّ بالنيابة: لأن محدش عارف الصح من الغلط دلوقت !
وليس هذا بغريب حقًا ما وصلنا إليه، فمنذ صغرنا نشأنا على أن الصواب واحد ما سواه خطأ، والحقيقة واحدة وما سواها كذب، لم نتعوّد على أنّ الحقيقة يمكن أن تكون متعددة الأشكال، وأن يكون الصواب متعددًا كما أن الخطأ متعددٌ أيضًا..
الصواب هو رأي الأب، والأم كلامها خطأ لأنها "حرمة" والحريم ما يفكرون، شاوروهم وخالفوهم! وكأننا نأخذ رأي إبليس، فنخالفه لأنه "إبليس!" وهل يحتاج لأسباب أكثر؟
الصواب هو رأي المعلّم لا الطالب، الصواب هو رأي الكبار، ليس من حقّ الصغير أن يبدي رأيه في أيّ شيء ولو يخصّه وحده، ولا أن يستمع في كثير من الأحيان، فضلا عن أن يتحدث..
كان زيي مستهجنًا جدًا قبل الآن، لكنني أصبحتُ أردّ "دا الـ"ستايل" بتاعي!"حين وجدتُ أنهم لا يفهمون"أنا مرتاحة كدا"! أم لا بدّ أن يكون " ستايلي" قادمًا من محلاتكم؟ والتي أرى الفتيات يرتدين ما فيها لأنهن لا يجدن بديلا ! أذكر برنامجًا كان يأتي في إم بي سي 4 قبل فترة، اسمه
What not to wear
وكان يقدّم نصائح بشأن الملابس للنساء كلّ حسب جسمها وما يناسبه، وأذكر أن المحلات التي كنّ يتجولن فيها بها تشكيلة ملابس أكثر وأرحب بكثير جدًا مما لدينا.. والتي ما إن يأتي موسم ما تجد كل المحال قد اتخذت نفس اللون والطابع، إلا ما ندر...
بخصوص هذا الأمر، كنت أودّ التعليق لدى مياسي، طبعًا هناك علاقة، ستجدين الفتيات ما بين من تظهر مفاتنها كي يأتي عريس الغفلة سريعًا عندما يراها، وما بين من تغطي نفسها بالكامل كي يأتي أيضًا سريعًا عندما تراها أخته أو قريبته !!
أيها المحبوب: بينما أنا أنا، وأنت أنت طالما أن العالمَ يحتوي كلينا فليكن لي الحب ولك البغض حين يتملص أحد المحبوبين، فعلى الآخر أن يلاحقه.
إن حياتي عبارةٌ عن خطأ في نهايةِ الأمر وحقيقةً أنا خائف: إن هذا الخطأ يبدو كبيراً حتى أنه سيلازمني حتى نهايةِ الحياة.
وبينما أفعل الأفضل، نادراً ما أنجح وإذا فشلتُ في الوقت الحاضر لن يكون فشلي إلا لتُرهقَ أعصابي.
كي تجففَ عينيكَ وتسخرَ من السقوط، وتناضل انهض من جديدٍ وابدأ ثانية لذلك فإن تشيس يرضى بحياةٍ واحدة فقط، هذا كل شيء.
بينما ينظر المرء من اتجاهه الأبعد نظرةً بالغةَ العمقِ خلال الغبار والظلام لن يفارقَ الأملُ القديمُ آخرَ جديداً ويختفي عاجلاً من الأرض هكذا بطبيعةِ النفس أختمني بطابعٍ لا يزول إلى الأبد.
إذا كان عليك أن تحبَّنيْ فبح بغايتك ودع كل ما دون ذلك.
لا تقل:"أحبها من أجلِ بسمتها، نظرتها، طريقتِها اللطيفة في الكلام" لتخدع فكري الذي ينهار فوق ألغامك الجذابة!.
لا ريبَ أن جلبَ الإحساسِ السار للناسِ سهلٌ اليوم من أجلِ أن يحققوا الأشياء التي في نفوسهم المحبوب، ربما يتغير، بل يتغير بالنسبة لك الحب منمَّقٌ جداً ربما لا يكون منمقاً لا تحبَّني لأكونَ مملوكاً عزيزاً تشفق عليه وتمسح خدوده المليئة بالدموع. قد ينسى المخلوقُ البكاء البكاءَ الذي جعله يرتاح طويلاً هكذا يخسر الناس حبهم! أحبَّني لأجل الحب.
تظنّين أنّني لا أفقه شيئًا في الأدب، وتكتبين عنّي كثيرًا وتتخيلينني بطل روايةٍ تقرئينها صحبة فناجين قهوتك المفضلة، أراقبك وأنتِ تقرئين بإمعان وتلذذ، وبين حين وآخر ترشفين من فنجانك، أو تتطلعين إليّ مبتسمة، أدّعي الانشغال بمطالعة التلفاز أو بإتمام بعض الأعمال، بينما أراقب ردود أفعالك ونشرة أحوالك العاطفية.
أصبحتُ أعرف، عندما تقومين إليّ وعيناكِ يعتصرهما الشوق، تضميني إليكِ وتختطفين أنفاسي داخلك، أنّ البطل ربما يفعل الآن ذات الشيء، وحين تتبعين فعلكِ هذا بطلب خاشع ألا أدعَكِ تذهبين، لأنّك لن تحتملي ألا أفعل المستحيل لأجل أن نبقى معًا، أراهن على وفاء أبطال الرواية. أصبحتُ – حسب ردّة فعلك - أستطيع أن أخمّن شكل الرواية، تظنين أنني طفل لا أعرف شيئًا في فنّ رصف الأحرف وبناء الكلمات بإتقان كما تفعلين صباح مساء.. تؤمنين أنني لا أفقه شيئًا في قراءة الروايات، بينما لا أحتاج إلا للرواية التي أعيشها معك.. أنتِ لا تعلمين أنني أكتبنا.. ألم تقرئي عن الدراسات العلمية التي تقول أنّ الرجل لا يستطيع أن يجمع تركيزه في أكثر من شيء واحد في الوقت الواحد؟ أنتِ تقرئين العديد من الروايات بينما تعيشين معي رواية أخرى.. يمكنكِ ذلك ببساطة لأنك تستطيعين!
وقد اغتنيتُ بروايتنا الحقيقية، فلم أعد أقرأ سواكِ، أوأتابع سوانا، أعرف عن كلّ الروايات التي تقرئينها من ردّة فعلك بعدها، وأحاديثك الهامسة معي عن أشياء بدون سابق تمهيد.. وانتظارك سماع إجاباتي وآرائي بعينين متّسعتين كطفلة.
لماذا قد أحتاج إلى قراءة رواية بينما تحكين لي؟ هل كان شهريار ليستعيض عن شهرزاد برواية يقرأها في مكتبه أو في حديقة قصره؟ دعيني أجيبك، كشهريار معاصر، كان أهون عليه أن يقتل نفسه بالسيف!
حكاياتك لي تغسل روحي كلّ مساء من عبء حياةٍ لا أعرف كيف، ولا أريد أن أتخيّلها دون وجودك، أتذكّر سكونك بين يديّ بوداعة قطّ مَلَك العالَم بين يديه، أو شغبك كطفلة عنيدة ترى أنّ لها الحق الأوحد في أن يقف الزمن ويبدل الكون قوانينه لأجلها، وتُغيّرَ الأرض اتجاه دورانها لأجل عينيها الحزينتين، أو تساؤلاتك ومرارة عباراتك أحيانًا بهدوء امرأة يثقلها عقلها حدّ البكاء. وفي كلّ مرة، ودون تعمّد منكِ، تجعلينني، رغمًا عنّي، أعشق تفاصيلك أكثر.
أشعل لها سيجارة وأخذ يتأملها ضاحكًا وهي تسعل في محاولات فاشلة لإخراج الدخان من فمها، غمز قائلا: لماذا تصممين على فعل شيء ليس باستطاعتك القيام به؟
أجابته: عندما أخشى من شيء ما فإنني أواجهه، أريد أن أكسر هذه الحواجز التي تعترضني، هل تعلم أنني أقنع نفسي بأن الأشياء التي لا أفعلها - لأنهم يقولون أنها خطأ - بأسباب أخرى غير التي يقولون .. وأحلل وأفكّر وأقلّب الأمر في رأسي حتى أستقر على رأي - أو أسباب- تريحني نفسيًا وتجعلني لا أفعل الفعل ولو طلبوه منّي فيما بعد !
أنا أكره أن أمتنع عن أشياء لأنّ البشر ‘يرون’ ذلك، البَشَر مخلوقون مثلي لاحقّ لهم في تقرير كيف تكون حياتي، ولا لماذا يجب أن أمتنع عن أمر ما لأنّهم امتنعوا عنه ! وفقط دون أيّة أسباب منطقية !
تخيّل أن تقوم بكتابة قصّة وتعرضها في جلسة لأصدقائك، فيقول لك أحدهم: لماذا جعلت فلانًا يحبّ فلانة؟ ليتك تجعله يحب تلك الأخرى !
ويقول لك ثان: لا تعجبني النهاية، النهايات الحزينة في الواقع فقط .. ماذا ستخسر لو جعلت لهما طريقًا متقاطعًا؟
لا يفهمون أن التوازي هو الأسهل والأكثر شهرة، التوازي والتعامد دومًا أسهل المسائل بينما التقاطع موضوع معقّد.. يصعب الحصول على زواياه .. لا يحدث أبدًا عندما نريده.. لا يفهمون
وحدك تفهمني .. أنا أكره التدخين لأنه شيء سلبي، ولأن رائحة التبغ كريهة، وأنا امرأة تأسرني الروائح الطيّبة، ولأنّ فيه دلالة على ضعف الشخصية، لم أجد مدخّنًا واحدًا حتى الآن قوي الشخصية ناجحًا في حياته ذكيًا ومحبوبًا ممن حوله !
أنا أدخّن فقط لأنني أحب أن أتفرج أحيانًا على دوائر الدخان هذه التي صنعتها وأتخيل أشياء تصيبني بالرعب أكثر، لو أنّ حياتي عبارة عن دائرة دخانية ستختفي بلا أثر .. أدخّن أحيانًا لأستمتع بمشاهدة شهقات النساء، لو أنّ رجلا مكاني لما لفت انتباههن ذلك الإصبع المشتعل بين شفتيه، البَشَر فقط قالوا لــ 'هنّ' أن يمتنعن عن التدخين، ولم يقولوا لــ'همْ' .. من يكونوا على أيّة حال؟
الكثير من الـ "لو" أطرحها لدرجة تجعلني أنهي فورًا ما أفعله أيًا كان، لأمارس مشاهدة فيلم لا أريد أن أتذكر بعده أيّ شيء كان في رأسي ..
قال لها: انظري إليّ إذن سأعلمك كيف تدخنين.. لا تستغربي من طريقتي، فقط راقبيني
أخذ يسعل بشدّة، فأخذت منْه السيجارة وأطفأتها وجلبت له كوبًا من الماء .. قالت له: لا أدري لماذا تصمم على فعل شيء ليس باستطاعتك القيام به ؟
ضحك وقال: لأنني أستاذك، يجب أن تفعلي ما أقول لك، يفترض بكِ ألا تعرفي شيئًا ما، وأن أقوم بتعليمك إياه، ويفترض بكِ أن تفعليه بالشكل الصحيح كي تحوزي على رضائي !
قالت: بل أحب أن أفعله كما لا تتوقع وبشكل أكثر اختلافًا وتميّزا لأحصل على قلبك !
أطلق صفير إعجاب خافت، قال لها: لن تكفّي عن إدهاشي يومًا..
أجابته وهي تطبع قبلة سريعة على وجنته: ليتك تعلم كم أحبّك
أعتذر مقدما إن كان الآتي سيستثير حفيظة رجالنا، وأتمنى أن يعلم قارئي أن ليس فيه أي عنصريةٍ نسائية أو شوفينيزم، بل هو وصفٌ لواقع يرفض المجتمع تصويرَه على أنه يجب ألا يكون، ليس إنكارا لما هو حق، بقدر ما هو إبقاءً على ما يخدم ذكورية هذا المجتمع. فليس كل تغييرٍ يـُحقُّ الحقَّ مرغوبا فيه.
يقول الروائي الحائز على جائزة نوبل وليم جولدنج في مقدمة إحدى رواياته أن (من الغباء أن تتخيل النساءُ أنفسهن مساوياتٍ للرجال، لأنهن يتفوقن عليهم بكثير). البعض لايعي الأسباب التي تقود رجلا ما للإدلاء بهكذا إعتراف يدين به بني جنسه. وقد يبدو قولا مبالغا فيه بعض الشيء، لكن الشواهد في عصرنا هذا على صدقه كثيرة.
في حياة المرأة العادية محاور كثيرة تحاول أن تقيم حولها حياةً متكاملة. فهناك البيت بكل مايحتاجه من اهتمام، وهناك الأطفال وصحتهم وتعليمهم وتربيتهم، وهناك الرجل الزوج الذي يحتاج اهتماما خاصا، وفوق كل هذا هناك العمل، الذي بات الساحة المعترف بها لاثبات القدرات في العطاء. كما أن العمل لم يعد خيارا تقف أمامه المرأة، لتزن بينه وبين المسؤوليات الأخرى في حياتها. بل هو في ذات الكفة في الميزان ويضاف إليها على العاتق. ليس لأن المرأة بحاجة لاثبات قدراتها، بل لأن الحاجة المادية لبيتها وعائلتها تفرض عليها أن تعمل. وكل هذا واقع تعيشه النساء وتدبر أحوالها فيه. لكن المشكلة هي ما يقع في الكفة الأخرى من ذاك الميزان، وهو المرأة ذاتها. فهي ترزخ تحت ثقل يحتاج قوة الرجال، لكنها تستمر به رغم أنها خـُلقت كائنا ضعيفا. فتحمّلها المسؤوليات ضِعفا، سيجعلها تذوي وتذبل بتسارع، دون متسع من الوقت يكفيها آخر كل نهار لأن تنظر في المرآة لتلحظ ذلك الذبول.
التفوق الكبير الذي يتحدث عنه جولدنج يتمثل في قدرة المرأة على لقف الكرات كلها وإعادة رمي الملقوفة منها دون أن تقع أيّة كرة من اللعبة، أي إدارة عدة جبهاتٍ في وقت واحد، وهي قدرة تتفوق المرأة فيها على الرجل. وقد عبّر مستشار التنمية البشرية د. ابراهيم الفقي عن ذلك بتسمية (التفكير الحلزوني)، فيقول أن الرجل يفكر في خط مستقيم، لكن المرأة تفكر بشكل حلزوني. وهي تسمية قد تبدو للوهلة الأولى مضحكة، لكنها تعبر عن قدرة المرأة على إدارة أكثر من محكّ في وقت واحد، في حين أن معظم الرجال يصنفون المشاكل والضغوطات من حيث أهميتها وأولويتها ليتعاملوا معها الواحدة تلو الأخرى. ولولا هذا التفوق في القدرة الإدارية عند النساء لما شغلت الأمهات العاملات نصف القوى العاملة دون خراب بيوتهن. ولو كان حجم المسؤولية والثقل الذي يتحمله أحد أفراد الأسرة يتناسب مع قوامية ذلك الفرد في البيت، لكانت القوامية للمرأة حتما.
الرجال قوامون على النساء… ولاتقربوا الصلاة
أستطيع أن أتخيل عددا من القرّاء الثائرين الآن. وأتوقع أن بعضا منهم سيسم هذا الفكر بأنه جندريّ مسموم، وسيحاول حجب مثل هذه الأفكار عن زوجته وبناته لتبقى له القوامية في بيته على الأقل. فكيف تكون القوامية للمرأة وقد قال سبحانه وتعالى أن (الرجال قوّامون على النساء)؟!
في الحقيقة، الآية الكريمة تقول (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم) ، وليست كما يتناقلها القول الشائع المبتور. والناظر إلى معنى الآية بشكل متكامل يستنتج أن القوامية مشروطة بعاملي التفضيل والإنفاق. وهذا يعني أنها ليست (حاصل تحصيل) مرتبطة بالذكورة.
لكن أيّ بيت في يومنا هذا لاتنفق فيه الزوجة بقدر إنفاق زوجها أو أكثر؟ بل أن بعض الرجال باتوا يشترطون في بحثهم عن زوجة أن تكون امرأة عاملة ، لأنهم يعلمون أن الأوضاع الاقتصادية المتردية تضعف قدراتهم على فتح بيت الزوجية إن لم تعمل الزوجة. وغالبا ما يكون إنفاق الزوجة على احتياجات بيتها إلزاما عليها، وليس خيارا تعطاه. كما أن المرأة العاملة التي لاتساهم في تغطية نفقات البيت بسبب اقتدار زوجها عادة ما تنفق على نفسها ، وبذلك فهي ليست بحاجة لإنفاقه عليها من أمواله. فإذا كان الانفاق سببا في قوامية الرجل على المرأة ، فإن أحوال الدنيا اليوم قد أفقدته هذه الميزة.
أما في مسألة الأفضلية، وهي الشرط الثاني في القوامية، فهي خاضعة لحكم الحاجة. فأي مضمار هو الذي يستطيع الرجل أن يثبت أن الله فضله فيه على المرأة في يومنا هذا؟ إذا كان السؤال عاما، فلم يبق في ذلك سوى مضامير القوة الجسدية، والممارسات الاجتماعية المقتصرة على الرجال. أي لم يبق شيء تقتصر الهيمنة فيه على الرجال سوى القتال في الحروب، وفض النزاعات العشائرية. لكن مثل هذه المحكات الخشنة لاتحدث بتكرار كبير لتشكل جزءا من الحياة اليومية وتـُمتحن فيها قدرات الرجل حتى يفوز بالأفضلية. أما في حياة المرأة فالحال مختلفة. فكل يوم في حياة الأم الزوجة العاملة يحتوي عدة محكات وامتحانات لقدراتها على التنسيق والإدارة وتدبير الحال رغم تعدد الضغوطات، والخروج من المشاكل بأقل الخسائر الممكنة للعائلة ماديا أو صحيا أو اجتماعيا.
أما إذا أخذنا سؤال الأفضلية بشكل فردي، فتبقى الإجابة عليه خاضعة لقدرات الرجل والمرأة فرديا، وما يهبانه من نفسيهما لتأسيس وبناء ذلك البيت وتسيير عجلة الحياة. وتأتي مقومات الأفضلية في التعليم أو النسب أو الذكاء أو القدرات الخاصة. وفي كل الأحوال لا تؤخذ الأفضلية بالذكورية بشكل مطلق.
ليس هذا ما نريده … بل ما يريده رجالنا
ما لم نكن نتكلم عن نوال السعداوي وشبيهاتها، ففي قلب كل امرأة حلم عن دورها في الحياة في ظل رجل. يتبلور هذا الحلم مع أوائل سني الوعي. والصورة الغالبة على هذا الحلم هي أن تجد المرأة من يقدرها ويحميها ويدلها إلى حيث المسير. سيشاركها الرأي في الطريق، وقد يستأذنها فيه أحيانا كثيرة، وسيرفع عن كاهلها ثقل التفكير في الآتي. ولا أعتقد أن أي بنت في عمر الصبا كانت تحلم في يوم من الأيام بأنها ستكون لها اليد الأعلى في البيت بسبب اعتماد بيت الزوجية على دخلها من العمل، أو بسبب أفضليتها في إدارة جبهات شؤون الزوجية والأمومة والبيت والعمل في آن واحد. لكن الحياة لا تأتي كما ترسمها أحلامنا. وتلك القوامية التي باتت تراود النساء عن حياتهن ليست مرغوبا فيها أبدا. بل أن لسان حال المرأة اليوم يقول: أما من مساحة أستعيد فيها بعضا من أنا؟ بعضا مما خـُلقت به ولأجله؟ رجال اليوم لا يعون أن في كل امرأة طفلة صغيرة، تعشق مرآتها وحليّها وزينتها.
ثم يأتي رجل ويشتكي من أن المرأة لم تعد أنثى، وأنها أصبحت خشنة وجلفة ومسترجلة. وأن صوتها يعلو على صوته، وأنها لم تعد تكتحل أو تتعطر. ولا حتى في بيتها. وقد يغزل من ذلك مبررا للبحث عن أخرى، في ما يشبه "حجّة بحاجة". لكن وحدها هي التي تعلم أنها لم تشأ لهذا أن يكون، فغلبة الطبع على التطبع لاتأتي مرة واحدة لتصدّها، بل تأخذ مجراها عليها بتوالي السنين. فالمحامية لا ترغب في الخشونة، لكن مهنتها خشنة، فتغلظ صوتها وهي تعمل ثم تغلب عليه الغلاظة بعد سنين. والطبيبة تقترب كثيرا من مرضاها، فلا تتعطر ولا تتبرج ثم تعتاد على ذلك. والمدرسة تستخدم صوتها كثيرا فتهترؤ نعومته ويبقى على ذلك. والمهندسة تعمل في الخارج تحت أشعة الشمس وعوامل الجو، فتذبل بشرتها وتفقد شبابها. وجميعهن يتمنين ساعة واحدة في المساء يستعدن فيها بعض ألق ما وُلـِدن به ثم اجتمعت عوامل الشقاء على أخذه منهن، وهو تلك الأنوثة التي صار الرجال يفتقدونها فيهن. لكن ما يجدنه في المساء هو الباقي من تلك المسؤولية المفروضة عليهن، علما بأن هذه العجلة الدوارة قد تمكنت بطريقة ما من أن تخلق للرجل متسعا لأن يجد لنفسه أصدقاءً وأن يخرج إلى المقاهي ويرفه عن نفسه من ضغوطات البيت! ويستطيع ذلك لأن في حياته إمرأة قوية، تحمل كل شيء على أكتافها وتسير من غير حدو. كل الرجال يدّعون عدم القدرة على تدريس أبنائهم، بحجة العصبية وقلة الصبر عليهم. ويدّعون عدم القدرة على متابعة علاجاتهم ، بحجة عدم القدرة على حفظ أسماء الأدوية أو مواعيد المطاعيم. ولم يعد الرجل يمد يدا في تصليح أي تالف في المنزل، بل يعهد لزوجته بجلب من يصلحه ثم بالإشراف عليه. وفي نهاية الأسبوع يحتل الكنبة متمددا أمام التلفزيون لساعات، لأنه مرهق من العمل طوال الأسبوع!!!
المرأة اليوم لا تريد القوامية في بيتها. ولا تريد أن تكون لها اليد العليا، لا بإسهامها في الإنفاق ولا في استلام قيادة الحياة. صحيح أنها ناضلت مطولا لتصل إلى اليوم الذي تنافس فيه الرجل في كل الأعمال والمجالات، لكن هذه المنافسة لم تكن على أساس عدم التعاون بينها وبين الرجل لتسيير الحياة. فكأن رجالنا اليوم فرحين بما وصلت إليه المرأة من منجزات أكثر منها، لأنها أضافت إلى مسؤولياتها ورفعت عن عاتقهم الكثير باسم المساواة. لكن الوضع المثالي يستدعي من الرجل أن يقدم بعضا من التضحية مقابل رفع ذلك الثقل عنه، حتى تستطيع أن تبقى المرأة مرأة ، والرجل رجلا.
مجموعة مخطوطات نادرة عبارة عن مذكّرات الراهب هيبا، والذي عاش حياته في أواخر القرن الثالث، وأوائل القرن الرابع، تنقّل بين عدّة بلدان ومدن، القدس وأنطاكية والاسكندرية، ولد ونشأ في الصعيد لأب وثني وأم مسيحية، يشاهد قتل أبيه على يد جماعة من أهل أمه لتتزوج في النهاية من قريبها، وترسله لعمّه لينشأ لديه..
هيبا .. ليس اسمه الحقيقي، إنّما هو المقطع الأول من اسم أستاذة الرياضيات "هيباتيا" حضر لها في الاسكندرية محاضرة، والتي قُتِلَت أيضًا على يد البابا كيرلس بحجة أنها ساحرة مشعوذة مخرفة..
هيبا .. يتحدث عن نفسه وكأنما دخل روحي ليكتبني، وكأنما سكنني ففاضت مشاعري على أوراق مذكراته، التصقت بي رائحة البيوت التي زارها، شعرت بآلامه وكأنه أنا.. آلامًا نفسية - فكرية في أغلبها..
أحببتُ نسطور، الراهب الآخر الذي التقاه هيبا وأحبّه أيضًا، ألم أقل لكم أنّنا أصبحنا روحًا واحدة؟
لماذا انطفأ كلّ شيء؟ نور الإيمان الذي كان يضيء باطني، شموع السكينة التي طالما آنست وحدتي، الاطمئنان إلى جدران هذه الصومعة الحانية .. حتى شمس النهار، صرت أراها اليوم مطفأة وموحشة
حتى في أوهامه، وأحلامه المجنونة .. يؤكد لي أنّي لست غريبة طالما هو موجود
ورحت أتوهم بعدما أغمضت عيني، أني صرت والشجرة كيانًا واحدًا. أحسست بروحي تنسحب من ضلوعي، فتتخلل جذع الشجرة، ثم تغوص في جذورها العميقة، وتتوغل في قلب فروعها العالية. كان كياني يتمايل مع أوراقها، ويتساقط بعضي مع سقوط الأوراق من أغصانها. تمنيت لو أصير شجرة مثل هذه، للأبد، شجرة وارفة الظلال وغير مثمرة، فلا ترمى بالحجارة وإنما تهواها القلوب لظلّها.
ويتحدث عن بعض الأشياء التي نمارسها بحكم العادة، بأسلوب مختلف، لا يحب العبور دون أن يترك أثرًا في الأشياء، أو يترك الأشياء لتطبع أثرها عليه إن لم يجد ما يمنح..
النوم هبة إلهية، لولاها لاجتاح العالم الجنون. كل ما في الكون ينام، ويصحو وينام. إلا آثامنا وذكرياتنا التي لم تنم قط، ولن تهدأ أبدًا ..
النوم رحمة سماوية..
نسيتَ يا هيبا، أن تقول أنّ أفكارنا أيضا لا تنام، وأنها تقض مضاجعنا دون استئذان أو حياء، وأنّنا مهما حاولنا إخمادها فإنها لا ترعوي.
الكتابة تثير في القلب كوامن العواصف ومكامن الذكريات، وتهيّج علينا فظائع الوقائع. في فترات بعيدة من حياتي، ومتباعدة، كان إيماني يؤنسني، ويملأ وجودي غبطة. واليوم تحيط بي الغيوم من كل جانب، وتهبّ في باطني الأعاصير حتى تكاد تقتلعني من الكون كلّه. كيف سينتهي الحال بنسطور بعد كل ما جرى معه؟ وإلى أين تراني أذهب بعد انتهاء هذا التدوين؟ وهل سأرى ثانية مرتا التي راحت، فظننتها أراحت، ثم عرفت بعد رحيلها لوعة القلق وعصف الاشتياق؟
لله درّه، الشاعر الذي كنتُ - في فترات بعيدة من حياتي- أتغنّى ببيتٍ قاله: الله أسعدني بظلّ عقيدتي، هل يستطيع الخلق أن يشقوني؟ كنتُ أقولها فأشعر أن الله قد طرح بي نورًا ورضاء ذاتيًا بيمناه، ومنحني شخصيًا سعادةً لا يمنحها لغيري، وكأنه يقول لي: لن أخيّب ظنّك بي.. لكن.. ومتى حلّت لكن وجب نسيان ما سبقها، وتوقّع الشرّ فيما بعدها .. كيف استطاع البشر أن يشقوني؟ كيف استطاعت الحياة بتركيبتها المعقّدة، وزمني الذي جئت فيه مرغمة على أن تنسيني سعادتي؟ لقد نسيتُ طعمها ولم تعد تجدي أبيات الشّعر في زماننا العجوز العقيم..
لطالما أحببتُ الأشياء التي تتم، فقط، في داخلي. يريحني أن أنسج الوقائع في خيالي، وأحيا تفاصيلها حينا من الدهر، ثم أنهيها وقتما أشاء. تلك كانت طريقتي التي تعصمني من ارتكاب الخطايا، فأظلّ آمنًا
قالت هيباتيا:
والفهم أيها الأحبة، وإن كان فعلا عقليًا، إلا أنه فعل روحي أيضًا.. فالحقائق التي نصل إليها بالمنطق والرياضيات إن لم نستشعرها بأرواحنا، فسوف تظل حقائق باردة، أو نظل نحن قاصرين عن إدراك روعة إدراكنا لها
وبعد أن ماتت هيباتيا، يتسائل هيبا عن الموت، الحقيقة الوحيدة التي نراها جميعًا ولا يمكن أن نتذوق طعمها إلا مرة واحدة فقط، هي الأولى والأخيرة ..
من أين يأتي الدود بعد الموت؟ هل هو كامن فينا بحيث لا يظهر إلا بعد موتنا؟ أهو كامن أيضًا في الفواكه الرطبة وفي الجبن القديم وفي الأجسام الحية ! ينتظر موت الكائن وفساد جسمه كي يحيا على الموت، ثم يموت. يقال أن هذا الدود لا يأكل رفات القديسين والشهداء! فهل هي معجزة لهم، أم هي معجزة للدود الذي يفرّق بين الأجسام، المقدسة منها وغير المقدسة؟ على أن الدود فيما أظن لا يفرق، ولا يعرف أجساد القديسين من غيرهم، وإلا فهو لا يتطرق أيضًا لأجسام المومياوات المحفوظة ببلادنا في التوابيت العتيقة.. لماذا حفظ المصريون القدماء أجسام موتاهم بسحر أو علم، يمنع عنها الدود؟ أم ترى أن أجسادهم كانت هي الأخرى مقدسة!
ويحكي عن أحد الشماسين الذين كانوا يقومون بمساعدته في الدير، وكيف كان يحكي له قصّة نشأته لقيطًا، وعدم معرفته لأمه وأبيه بمنتهى البساطة، ويتساءل: لماذا يخجل من أخطاء غيره؟
"وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونحمل له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" القرآن
لا أذكر متى تعلّمتُ ألا أخجل من أخطاء غيري، وأن أعتبر نفسي مسؤولة فقط عن أخطائي
تعجبتُ من البساطة التي قصّ بها حكايته، من دون أي أسف أو خجل، كأنه يقص واقعة عادية، من شأنها أن تحدث لأي شخص.. كان ذلك هو الدرس الأول الذي تعلمته في هذا الدير، وأفادني كثيرًا على نحو خفيّ، لا ينبغي أن نخجل من أمر فرض علينا، مهما كان، مادمنا لم نقترفه. ساعدني ذلك كثيرًا، على نسيان ما فعلته أمي في زمن طفولتي، وعلى تناسي ما فعلته، ومالم أفعله بسبب خوفي وقلة استطاعتي
ماذا عنّي؟ تعلمتُ أن أتصالح مع جسدي وأحبّ أنوثتي، وأتقبّل أشياء لم أكتبها على نفسي ولا قلبي.. كما تعلّم هيبا أن يتصالح مع ذاته..
تعلّمتُ مالا يُحكى
راح نسطور يعيد عليّ، ماكنت أعرفه من اعتقاده بأنّه لا يجوز تسمية العذراء مريم ثيوتوكوس، فهي امرأة قديسة، وليست أمًا للإله. ولا يجوز لنا الاعتقاد بأن الله كان طفلا يخرج من بطن أمه بالمخاض، ويبول في فراشه فيحتاج للقماط، ويجوع فيصرخ طالبًا ثدي والدته.. فال: هل يعقل أن الله كان يرضع من ثدي العذراء، ويكبر يوما بعد يوم، فيكون عمره شهرين ثم ثلاثة أشهر ثم أربعة! الربّ كامل، كما هو مكتوب، فكيف له أن يتخذ ولدًا، سبحانه، ومريم العذراء إنسانة أنجبت من رحمها الطاهر، بمعجزة إلهية، وصار ابنها بعد ذلك مجلّى للإله ومخلّصًا للإنسان.. صار كمثل كوّة ظهرت لنا أنوار الله من خلالها، أو هو مثل خاتم ظهر عليه النقش الإلهيّ، وظهور الشمس من كوّة لا يجعل الكوّة شمسًا، كما أن ظهور النقش على خاتم، لا يجعل من الخاتم نقشًا.. يا هيبا، لقد جنّ هؤلاء تمامًا، وجعلوا الله واحدًا من ثلاثة!
ويقول وهو عائد من أنطاكية:
وأنا ترعبني فكرة الرجوع إلى بلادي، ولو في مهمة قصيرة. لكني في الحقيقة، كنت مرعوبًا من العودة إلى الاسكندرية تحديدًا، فرجوع مثلي إليها محفوف بالمخاطر.. فالذي يخرج من الاسكندرية مغاضبًا أو مغضوبًا عليه، لا ينبغي له العودة إليها. تجارب الأيام دلت على ذلك، وأكّدته!
وأخيرًا ..
للمحبة في النفس أحوال شداد، وأهوال لا قِبَلَ لي بها، ولا صبر لي عليها ولا احتمال! وكيف لإنسان أن يحتمل تقلّب القلب ما بين أودية الجحيم اللاهبة وروض الجنات العطرة.. أيّ قلب ذاك الذي لن يذوب، إذا توالت عليه نسمات الوله الفوّاحة، ثم رياح الشوق اللافحة، ثم أريج الأزهار، ثم فيح النار، ثم أرق الليل وقلق النهار. ماذا أفعل مع محبتي بعدما هبّ إعصارها، فعصف بي من حيث لم أتوقع؟ هل أنا فرح بحبّ مرتا أم أنني أخشاه؟ سيقولون أنني غررت بها، وسيقولون بل هي غررت به! لن أنجو من هذا الحبّ الذي قدحت مرتا زناده بكلمة واحدة، فصار عشقًا.. وأنا لاخبرة لي بارتياد بلاد العشق.
لا نستطيع أن نفعل شيئًا، وسيقولون الكثير في كل الأحوال.. يقول بعضهم: أنّ الحب اختيار.. وأنا اخترت. بـ نقاط فوق الخاء، أو بدون!
تلك حالات الاحتفال حيث يبلغ قرص الشمس أقصاه عند الظهيرة. حينها، كلّ ما يتحرّك جميل، وتُحسّ أنّه لا يعوزك شيء. خاصة إذا كان لك صديق... لعلّ كل بدائع الكون من أخطرها إلى أبسطها لا تُغني عن صديق. يُستغنى عن الحبّ، عن الزواج، عن النجاح والأمجاد، يُستغنى عن الرفاهية والثروة، ولا يُستغنى عن الصديق. لا يُستغنى إلّا بالرغم. لا أعرف مَن قال إن الذي يعيش بلا صديق يموت بلا شاهد. كان لي مرّة صديق ومرّة أخرى صديق ثانٍ، وحين خسرتُ صداقتهما أصابني يتم من نوع آخر. وكأنّه خُتم عليّ فلم تعد بي رغبة في صداقة، رغم استمرار حاجتي إليها. صحيح أن الصديق ألزم من الحقّ، وفي الصداقة عرْف الأمومة، وهي في منزلة القربان، وإذا سألتَها شرحاً لسببها أجابت. بعكس العشق، فقوّته في جهلك لأسبابه، وقانونه الجنون. الواقع أن ما يبحث عنه الإنسان في الحبّ قد لا يجده إلّا في الصداقة، مثل الولاء والوفاء، لكن الصداقة فاترة والحبّ لاهب، وهذا ما يقرّبها إلى العقلانيّين وينأى بالحبّ عن غير هواة الحريق. الاصطدام بقبائح المعشوقة يمكن أن يفضي إلى الطلاق مع فكرة العشق، إلى كراهية النساء. الاصطدام بقبائح الصديق يهزّ، يوجع، لكنّه لا يهدم فكرة الصداقة. غَدُ المعشوقةِ يُقلق. غدُ الصديق يرخي رأسك على طمأنينة.
________
ثلاثةُ أنواعٍ من البراءة: براءةُ الذين أرادوا خيراً وكوفئوا شرّاً ولم يسعوا إلى انتقام، وبراءةُ الأطفال الذين يموتون، وبراءة مستقيلي الطموح، المدخّنين على أرصفة العالم، يغادرون بيوتهم في الصباح كمكفوفين ويسرّبون إليها في المساء كبُكم.
________
إنَّ أصعبَ عملٍ يأتيه المرء هو أن يطفئ الضوء لينام.
أثارني التساؤل: ألأننا أمّة وسَطًا ؟ فنحن لم نَطَلْ يمينًا ولا يسارًا ؟
وأعود لأرد على ذاتي: كلا .. لم يكن المعنى أبدًا أن نكون أمة وسطًا بمعنى أنصاف الأشياء أعلاه، إنّما الوَسَط بمعنى الاعتدال ! عدم المبالغة في الأشياء، عدم التعصب للأفراد مثلا .. يقول ابن تيمية بما ليس هذا نصّه، أنّ على الطالب أن يتحيّز للحق والعلم لا للمعلّم، للمعاني لا للأفراد، للمبادئ لا للشخوص، للثوابت والقيم العليا لا للمتغيرات، وهذا عكس ما نرى الآن تمامًا، كما أنّ ليس معناها التردد وإلا لما كان الـ " لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء" من المنبوذين ! وإنما معناها التعقّل وتبنّي الرأي على أساس من المرونة لا التحجّر المبني على التعصب الأعمى..
لا تناقض هنالك .. التناقض ليس سوى في رأسي وحدي ! والأسئلة الكثيرة لا تودي بطارحها سوى للطريق الذي أذهب إليه بثقة عمياء منقطعة المثيل !
كان هناك حزن وفرح، حيّ وميّت، أعزب ومتزوج، كبير وصغير، طيب وخبيث، موحّد ومشرك، امرأة ورجل، ليل ونهار، سهل وصعب، ملائكة وشياطين..
أصبحنا الآن، لا حزن ولا فرح، لا حيّ ولا ميّت، أو قل حيّ كالميّت، لا أعزب ولا متزوج! لا كبير ولا صغير بالمعايير الـ كانت معروفة، الطيّب أصبح غبيًا والخبيث أصبح داهية تسرق الأضواء وتخطف القلوب! لا توحيد ولا إشراك، أو موحّد لذاته ومشرك للجميع، ليل كالنهار ونهار أليل من السواد، امرأة كالرجل ورجل كالمرأة وأجناس ثالثة ورابعة وخامسة وتمامًا كجهنّم: هل من مزيد؟ كان الحلال بيّنًا والحرام بيّنًا وبينهما (أمور) مشتبهات، والآن الحلال محرّم والحرام محلل، و(باقي أمورنا كلها) مشتبهات، من السياسة للفنّ، ومن علاقة الفرد بالفرد لعلاقة الفرد بالكون!
أنصاف فتاوى.. وأنصاف بَشَر..
ماذا بقي من الموصوفات المتكاملة؟ الفِتَنْ،الظلام، الحقد، الظلم، القتل، الحرب، القهر، الفقر، التعاسة، الجهل، التعصّب، الكذب، النفاق والمرض.. كلها أشياء كاملة بقيت .. وتزيد حتى تفيض، ولا أدري بعد درجة الكمال ماذا سيحدث لنا !
هناك أشياء غير قابلة للتنصيف والقسمة.. هذه الصفات الـ"أوليّة" التي على أيّ إنسان خلقه الله "دون أن يتشوّه" أن يتحلّى بها.. لأنها صفات إنسانية بحتة لا تنتمي للون أو دين أو جماعة.. هذه الصفات الأوليّة دُمِّرَتْ تمامًا - بفعل النساء والرجال وعدم التربية وبفعل السّاسة - ومثّل بجثتها منذ زمن.. كان حظي وحظ من يقرأ أن يعيش ليرى ويسمع ويكون شاهدًا إن لم يكن جانيًا أو ضحية.
لم تكن نتيجتي متوقعة ولا جيّدة، لكنني سأتخرّج في النهاية، ليس من المهمّ أنني سأتأخر شهرين أو ثلاثة لأداء امتحان الدور الصيفي في مادة لا لزوم لها من الأساس .. الفورترانFORTRAN .. لغة برمجة منقرضة لأجل حلّ مسائل رياضية بحتة، لا أدري لماذا ندرسها في قسم الإحصاء والكمبيوتر، لم أسمع أبدًا بأحد يعمل بها سوى باحثوا الرياضة الذين يحتاجون لحلّ المسائل الرياضية وخلال الدراسات العليا فالأبحاث- إن وجدت- فقط.. لكننا لن نحتاجها.. كم أكره الروتين والنظام التعليمي هنا.. إحدى الأساتذة ناقشت رسالة الدكتوراة وحصلت عليها لكن لأن البيروقراطية لابد أن تأخذ مجراها فإنّها تقوم بدور الأستاذ المساعد والأستاذ معًا ! حتى تنتهي "إجراءات الأوراق" بشكلها المملّ !
أيّ احترام للعلم والمعلّم هذا ؟
كانت لديّ أحلام.. اكتشفتُ أنّها لا تنتمي لهذا الوطنْ.. لكنني بخير طالما لديّ القدرة على الكتابة والحبّ، بقطع النظر - على رأي الطاهر وطّار- عن أن كتاباتي لنفسي بالأساس، وحبّي لم يتعدّ حدود قلبي في الأصل، وأمنيات غير بريئة لا تتعدى قصاصات أوراقي وحدود كلماتي.. تساؤلات عن الذي سيخطف قبلتي الأولى، كيف سيكون طعمها؟ هل سأكون جريئة أم خائفة مترددة خشية الاتّهام بما أنا منه بريئة؟ فأنا ذات تربية شرقية بلا فخر.. وأنفض عن رأسي هذه الاتهامات.. وأتّهم نفسي بأنني لو كنت أذاكر أكثر قليلا لما شُغِل رأسي بهذه التفاهات ! هل تفكّر الفتيات في هذه الأشياء التافهة ؟
تبًّا .. إنهنّ يردن ذَكَرًا وحسب ! وكلّما سمعتهن شعرت بالغثيان حقيقة لا مجازًا..
تقول صديقتي بغيظ : كللللللللللهم زي بعض .. من عمّي فلان اللي في أمريكا، لابن أختي الصغير اللي في الكافولة!
وأضحك بتهكّم وأقول: لأنّ النساء كلهنّ اللاتي قمن بتربيتهم لهنّ نفس المخّ يا عزيزتي، طبيعي جدًا أن يكونوا "زي بعض"..مش فولة وانشقت نصّين، إلا دي انشقت أنصاص بعدد أولاد آدم الذكور منذ بدء الخليقة ! رغم أنني واثقة من وجود المختلفين، ربما لم أقابلهم سوى في الكتب فقط !ما علينا
شخصية عزيزة عليّ، متزوجة، قالت تنصحني ألا أكون واضحة، ألا أكون كالكتاب المفتوح، لأن الرجل لا يحب أن تكوني له واضحة فيعرف ماذا تريدين الآن، كيف تشعرين في اللحظة الآنية، ماذا تحبين، يحب أن تفاجئيه دائمًا، أن تكوني على غير ما يتوقع دائمًا..
ربما أتذكّر كلامها قبل أن أتهوّر.. أو ربما كل ما يحدث يمنعني من التهوّر، دومًا أحب تمثيّل الزواج بحفرة يقف الناس أمامها طابورًا، يدعون لبعضهم بعضًا بالوقوع فيها، ويتسابقون، ويعتبرون الأشطر هو الذي يقع أوّلا .. ثم يبكون في النهاية.
فقط لو أكون بهذه اللباقة في الدراسة بدلا من سفسطتي الكلامية التي لا نهاية لها هذه.. بعد انتهائي من الثانوية العامّة بمجموع مرتفع، كتبتُ كلية الآداب كرغبة أولى، كنت أريد قسم اللغة الانجليزية، كنت – ومازلت- أعشق اللغات والترجمة وأردت دومًا التخصص فيهما- درجة أنني كنت أحتفظ بكتب عربية كي أترجمها فيها بعد !- لكنني فوجئتُ بهم في مكتب التنسيق يخبرونني أنه من الممكن ألا أُقبَل في هذا القسم، وعليّ أن أسأل في كليّة الآداب عن هذا الأمر، نظرًا لأنني لم أدرس لغة أجنبية ثانية، لا فرنسية ولا ألمانية ولا يحزنون، ربما درست يحزنون هذه لاحقًا !
المهم.. أنني لم أسأل في كليّة الآداب، لم أشأ أن أترك شيئًا للحظ، أو لنقل أنني لم أثق في حكومتنا الموقرة، فربما يقولون نعم ووقت الجد لا يوافقون، أو يقولون لا من البدء .. فوجدت أن الأضمن أن أعدّل رغباتي وكنتُ عكس السواد الأعظم من الذين دخلوا كليّة العلوم بكامل إرادتهم الحرّة .. أردتها بشدّة.
وحصل اللي حصل .. ووقعت في غرامها ! راهنتني إحدى صديقاتي على أنني سأكرهها، وكانت تسألني كل عدة أشهر في سنتي الأولى، وأخبرها أنها مازالت خاسرة في رهانها .. وحتى الآن، هي الخاسرة في رهانها !
لكنني لا أدري متى سأراها لآخذ منها حقّي.. ! لست متعجلة على أيّة حال .. فالرهان سيكون مضاعفًا حينها ..
أحبّ كوني امرأة. أستمتع بالوقوف فترات أمام المرآة أو قضاء ساعات في صالون التجميل. فأنا لا أعاني عقدة ذنب إذا استبدلت ساعتَي قراءة بمشوار عند «زارا» أو «مانغو». لا أشعر بأن مستوى ذكائي قد انخفض أو أن قدرتي على الكتابة قد تقلّصت. أحبّ كوني امرأة. أضحك حين يشتمني أحد السائقين على الطريق أو يصرخ بصوت غاضب «إخت اللي عطاكي دفتر السواقة». الأمر لا يعيقني من القيادة براحتي ولا يلغي المتعة التي أشعر بها في كل مرة أجلس وراء المقود وأرفع صوت الموسيقى. أحبّ كوني امرأة. أجلس مع صديقاتي في جلسة نميمة ـــــ صحية وضرورية طبعاً لكل نساء الأرض ـــــ نتحدّث عن هذا وذاك وعن مغامرات ليست بالضرورة حقيقية لكنها تزوّدنا بقدر من الثقة بالنفس يصعب على أي مأساة سلبها. أحب كوني امرأة. لا أجد مانعاً بالتصرف كالرجال حين يحتاج الأمر ذلك، أو بالصراخ في وجه أحدهم بطريقة تتخطى أنوثتي بمراحل إذا ما غضبت أو استفززت أو أهنت. الأمر طبيعي وبديهي. جدتي تقول داخل كل امرأة رجل مخفي. أحب كوني امرأة. أتظاهر بالضعف حين أريد أن أكسب حناناً، وأثور على من يعاملني بطريقة دونية بسبب هذا الضعف نفسه. إنها عقد النساء التي لن يتمكن أي رجل من فهمها ولو بعد ألف عام. إنه مزيج من الهرمونات النسائية والعقد النفسية المستعصية. أحب كوني امرأة. أقارع أبي في السياسة وأقسم أنني سأنزل ورقة حمراء في صندوق الاقتراع وليذهب النائب فلان وعلاقات العائلة إلى الجحيم. فتشعر أمي فجأة باستقلاليتها وتهدد أبي بأنها هي أيضاً ستختار المرشّح الأنسب «لخدمة المتن». أحب كوني امرأة. لا أحب يوم المرأة العالمي (وهل باقي أيام العالم أيام رجالية؟) ولا أحبّ عبارة «المساواة» أو «الكوتا النسائية» أو «حقوق المرأة»، وتغضبني التظاهرات النسائية أو المؤسسات والجمعيات التي «تعنى بشؤون المرأة» والمناهضة للعنف. وما سبق ليس لمناسبة الثامن من آذار أو يوم المرأة بل سببه الأول والأخير هو أنني امرأة... وأحبّ ذلك.
بينما تتصفح بريدها صباحًا، وجدت رسالة منه تحوي كلمة واحدة: - تتزوجيني؟
لا تدري وصفًا لهذا الذي تشعره، أتسعد بعرضه أم تكتئب أم تخاف؟
لكنّها ردّت بكلمة واحدة: - لأ.
وخرجت لعملها لا ترى سوى صورته في الخلفية عوضًا عن الشوارع والناس والأمكنة، وأمامها سؤاله وجوابها: [تتزوجيني؟ لأ] ألم تتمنّ دومًا أن تبكي بين يديه؟ ألم تشعر أنّه وحده يمكن أن يفهمها دون أن تتحدث؟ لماذا رفضت؟ ماذا إن تزوج غيرها ولم تعد حتى تراه؟ ماذا لو تزوج أخرى وابتعد عنها برفق من أجل حياته الجديدة؟ لكنّها مقتنعة أنّها فعلت الصواب، ماذا سيحدث لو أجابت بالعكس؟ فكّرت: سنتزوج، سيتحول لرجل عادي، وأتحول إلى امرأة عادية، سألت نفسها، أسأصبح عاديّة فعلا؟ وكلّ تلك النوايا لحياة مختلفة تبخّرت؟ ألم تحبيه بالأساس لأنه غير عادي؟ أجابت نفسها بحزم: لكنّ الحياة عاديّة، وهذا يعني أننا مهما اختلفنا فسنظل في حياة عادية ! لكنّها عادت تتساءل: إذن أنتِ لا تحبيه ! المحبّ الحقيقي مستعد للتضحية، لأن يكون بجوار من يحب في المرض قبل الصحة، في الألم قبل البسمة .. في البكاء قبل الضحك .. صمتت .. وهكذا حتى عادت للمنزل لا تقوى على محادثة نفسها، لكنّها كانت تخشى أن تندم.. وتخشى لو وافقت أن تندم.. صارحت نفسها وهي تنظر في المرآة كم هي تعيسة لأنها لا تعرف بالتحديد ماذا تريد.. هي تحبه وتعرف أنه إنسان، وأنه غير كامل، وأنها إنسان، وأنها غير كاملة، ردّت على نفسها بقسوة: لكنّ الحب كامل أليس كذلك؟ تمنّت لو أنها تزوجت ذلك الذي تقدّم لها قبل أن تقع في حبّ حبيبها، لكانت الآن زوجة ذات طفلين رائعين لهما ملامحها، أو ملامح زوجها.. لا فارق فأي طفلين سيكونان رائعين في نظرها – حينئذ- ! لكنّها لم تفعل للمبرر ذاته الذي ترفض من أجله أن تتزوج حبيبها ! هل تستحق العذاب إذن طيلة حياتها؟ رفضت من لا تحب وها هي ترفض من تحب..
وجدت ردّه وكأنه يقوله بينما ينظر لعينيها مباشرةً:
- أنا أعلم جيّدًا أنّكِ تحبينني، ولم أطلب منكِ أن تفعلي إلا لأنني أحبّك..
كتبتْ وهي ما تزال تحت تأثير خوفها:
- لأنني أحبّك، لن أتزوجك، لا أريد- لهذا - الشيء الجميل بيننا- أن- ينكسر.- صدقني-.
عندما استيقظتْ صباحًا، لم تعرف متى نامت وهل نامت فعلا أم أنها غفت رغمًا عنها إنهاكًا، لكن تلك البقعة على وسادتها ذكّرتها بليلتها الليلاء، وعيناها المتورمتان أخبرتاها ما حدث.. نظرت لساعتها وقامت مسرعة لتغسل وجهها ثم عادت مرّة أخرى.. نظرت إلى ساعة الحائط بغِلّ ورمت نفسها في حضن السرير مرة أخرى موجهة ظهرها للسقف والعالم بعد أن أغلقتْ هاتفها الخلوي.
عندما استيقظت عصرًا.. كانت أفضل حالا، لوهلة شعرت أن كل ما يحدث لها مجرّد حلم، وأنّها بخير وألا شيء يشغل بالها، فتحت جهازها، أعدّت كوبًا من الشاي بالحليب، عادت لتفتح بريدها..
- تعالي هنا، أفهم قولك، لكنني أريدكِ قربي، أجل... ليس الإنسان أروع ما خلق الله لكن العقل أبدع ما خلق أليس كذلك؟ نستطيع -دومًا- أن نجد حلا لو أعملنا عقولنا، أعلم أنّكِ بشر، وأنّك لستِ كاملة-من فينا؟-، وأنّك تضطرين لإزالة شعركِ الزائد، وتصابين كل عدة أسابيع بما ليس لكِ فيه يد، أعلم أنّك سوف لا تستيقظين من نومكِ كما أراكِ الآن- نعم أراكِ الآن- ، لكنّكِ من أريد أن أرى عندما أصحو صباحًا، حسنًا، أعدك أنني سأقاوم النظر إليك صباحًا، إلى أن تتهيّئي - لا أعدك - لكنني أعدك أنني سأحاول جادًا، سأظل دومًا صديقًا لكِـ وإن اختلفنا، لذلك، على الأقل ستكسبين صديقًا ! - هل تبكين؟- لا تبكي يا عزيزتي – كنت على الأقل سأمسح دمعك- سوف نجد حلا، وبوسعك دائمًا أن تأخذي عطلة منّي، لكنّكِ تعشقينني، أنا متأكد، ألا تحبّين أن نشاهد الأفلام سويًا في المساء؟
عندما دلفت إلى مكتبه، كان ظهره تجاه الباب، لكنه استدار فجأة، قال لها: شعرتُ أنّكِ من جاء. لم تتحدث.احتضنته .. بقوّة .. وبكت .. كثيرًا.
قبل فترة ليست بالطويلة، كنتُ أناقش صديقتي موضوع الارتباط، قلتُ لها ليت نظام الارتباط عندنا كما هو عند الغرب !
تعرف الفتاة الشاب وتعيش معه حتى إذا تأكدا أنّ كلا منهما يوافق الآخر، ويريده في مشوار حياته توّجا قصتهما بالزواج .. فعندنا لا تعرف الفتاة شيئا عمن سترتبط به، وحتى فترات الخطوبة لا توضح الكثير، تكون معظمها تمثيل وتجميل وطلاء لما سيهدم عاجلا- طبعا يعتمد الأمر على صراحة كلا الطرفين- لكنّ الحقيقة تبقى غامضة حتى يغلق عليهما باب واحد، ظاهره الرحمة وباطنه الجحيم .. ولا أدلّ على كلامي من حالات الطلاق والخيانات الزوجية والطلاق العاطفي والخرس الزوجي والهجر .. إلخ ! وكلها نتاج الفجاءة أو الفجاعة التي تحصل للطرفين أو أحدهما حين يرى ما لا يطيق فيمن يفترض أن يشاركه النوم واليقظة !
ولأنّ كلامي نظريًا فحسب، قلت لها فكرتي التي لم أجرؤ على البوح بها طبعًا لأي أحد، في مجتمع يجرّم لقاء طبيعيًا لأجل العمل أو الزمالة أو يثير الأقاويل على أقل تصرّف من المرأة أو الرجل لابدّ وأن يركل فكرتي بكل ما أوتي من قوّة لأنها تسدّ عليه باب النميمة أو تغلق باب فتنة يحبّ أن يظلّ مواربًا .. ! وتحكّم في النساء حتى آخر رمق !
فكرتي ببساطة كانت محاكاة للنموذج الغربي، ولا أريد أحد المتعصبين ليرميني بالكفر وبالجري خلف الغرب الفاجر، لأن ذلك الغرب الفاجر يذكرني تمامًا بالأيام المجيدة الغابرة للدولة الإسلامية، حين كانت تحوي العلماء وتنفق على الجامعات والتعليم والأبحاث قدر ما تفعل، ولم يكن ذلك يمنع وجود الفسق والمجون - وما أكثرهما في الدول العربية الآن بلا علم ولا تعليم ولا فكر ولا تقدم- .. وكلّ امرئ له عقل ليختار طريقة حياته..
كنتُ أقول لصديقتي، ما فيها لو أن الشابين أخبرا أهلهما، وتزوجا لفظيًا، أي بدون مأذون أو عقد زواج، فتكون أركان الزواج مكتملة، على أن يبقى كلّ منهما في بيت أهله، لكنهما يمارسان حياتهما كزوجين، يأتي لها في منزلها وتذهب له في منزله - كما يحدث فعليًا في الغرب !- ولا يتم عقد القران رسميًا عند المأذون إلا بعد أن يجدا أنّهما متفقان، ويقررا أنهما يفعلان الصواب ..
على أن - طبعًا - يمتنعا عن الإنجاب طيلة المدة خاصّة أنهما لايملكان سكنًا مستقلا.. سألتني صديقتي عدة أسئلة وقتها ولم أعرف كيف أرد عليها .. قالت أن الزواج بصورته الحالية يتم التلاعب به فكيف بما أقول !! الكثير من الحقوق ستهدر.. هل سيصرف عليها أبوها أم زوجها، في مجتمعنا مازال الرجال تلقمهم أمهاتهم الطعام في أفواههم كيف يتحملون مسؤولية أنثى نفسيًا أو ماديًا؟ أبوها سيأمرها بشيء وزوجها سيأمرها بعكسه، أو أي هراء آخر سيتم بإتقان وبإبداع عربي بحت لتكون الأنثى هي الضحية في النهاية..
اليوم وبالمصادفة وأنا أتجول في الشبكة وجدتُ هذا المقال( زواج فريند)، وبه إجابات لما سألتني عليه صديقتي وأكثر، فوجئتُ بمن فكّر هكذا، ولا أنكر أنني سعدتُ بوجود أمثال هؤلاء وسعدتُ أنني توصلتُ لهذه الفكرة قبل أن أقرأ عنها وإن كانت تشبهها ولا تطابقها..
لم أجرؤ أبدًا إلى الآن أن أصرّح بها لأحد من الكبار أو من شباب جيلي، لكني أريد أن أقرأ آراءكم، بعد أن تقرؤوا المقال
أجمْلُه ما بين الجهل والمعرفة. أكثرُه ألَماً وأشدُّه اعتصاراً.*
لا أعرف ماذا ستقرر، عيناك اللتان في لون ثيابي تمارسان تعذيبي في كل مرة أنظر إليهما .. تأخذاني إلى أعالي السماء ثم تتركاني أسقط بعنف على صخرة من الجهل والتساؤل المريع.. لأتذبذب بين الاحتواء والرفض، في تماوج غير مرصود مسبقًا ضمن نشرتك الطقسيّة.. والتي لا أعرفها بعد.
عندما جئتُ، كنتَ قد رحلتَ عن مدينتي، إلى مدينة أخرى تساويك عمرًا .. قيل أنني دومًا أجيء متأخرة، ربما هذا ما يجعلني أضبط ساعتي دائمًا، وأتحاشى التأخير ثانية واحدة عن المواعيد التي أضربها ..
وكان عليّ أن أنتظر .. مع أنني أكره الانتظار، لكنني أفضّل مرافقة الملل عوضًا عن ندم/قد/ يفترسني إنْ أنا ترجّلتُ بشجاعة فارس قديم يقاتل في مدينة أبهرته أضواءها.. ليكتشف أنه سقط فعلا يوم قرّر ممارسة الفروسية ! بعض المواقف في الحياة لا تتحلّى بالمرونة التي نتخيل أنها قد تحظى بها .. مع أنّ الكثير منها (يجب) عليها بحق أن تحظى بها !
يَحْدث ما يحدث وما لا يجب أن يحدث وما لا يحدث*
دعني أسألك، لماذا يحدث دائمًا ما لا يجب أن يحدث ولا يحدث أبدًا ما يجب تمامًا أن يحدث؟
ودعني أجيبك ..
أنت لسوايَ، ككلّ مَنْ أحْبَبْتُ. لسوايَ، ككلّ ما هو لي، وبين الجهل والمعرفة مصيري وأخاف أن أعرف ما سيصير.*
الفيلم ليس جديدًا، فهو إنتاج عام 2004، لكنني لم أره إلا مؤخرًا، كما يبدو من اسمه، ظننت أنه تأريخ لأول خمسين مواعدة لأحد الأبطال أو البطلات .. لكنّ - كعادة الأفلام الأجنبية الجيّدة الفكرة - فوجئتُ بفكرة أجمل بكثير مما خمّنتُ، فـ لوسي بطلة الفيلم الرقيقة الجميلة تصاب في حادث سيارة ويجعلها ذلك تفقد جزءًا من دماغها والمسؤول عن الذاكرة، مما يجعلها - عندما تستيقظ من نومها - ناسية كلّ شيء حدث لها فيما بعد الحادث..
تعيش مع والدها وأخيها، واللذان يعتنيان بها جيّدًا ويحوطانها بكل رعاية وحب، حتى يظهر في حياتها هنري، يراها كثيرًا في كافتيريا قريبة، ويحاول التودد إليها، لكنه يجدها تتعامل معه كلّ مرة وكأنها أول مرة .. حتى عرف ما بها
وحينها أخذ يدبّر العديد من المواقف كي يجعلها تتذكره، لكن لا فائدة .. كل ما في الأمر أن لوسي كانت تعود سعيدة في اليوم الذي تقابل فيه هنري لكنها تصحو من نومها في اليوم التالي لتتعرف عليه من جديد !
كي يساعدها لتتخطى مرضها، أخذ هنري يسجّل ملخصًا يوميًا لحياتها معه على شريط فيديو كي تراه أول ما تستيقظ من النوم، فتعرف من هو اليوم ومن كانت هي بالأمس !
كثير من المشاهد أعجبتني فيه، اهتمامه بها رغم مرضها وإصراره على مساعدتها لتخطي المحنة معًا كان جليًا في تعامله وتصرفاته معها درجة أن والدها منحه ثقته كاملة دون جهد يذكر بل وأصبح يطلب منه أن يبقى معهم بعد أن كان يحذّره في البدء من الاقتراب منها .. أعجبني كثيرًا المشهد الذي أخبرها فيه أنهما تبادلا القبل 24 مرة وحان الوقت للتقدم خطوة أخرى، فأخبرته أنها بالنسبة لها هي القبلة الأولى ! كل قبلة هي قبلة أولى ! فأخبرها أنه سيأخذ المتوسط ويعتبر أن عددها 12، وحتى هذا العدد يحتاج للتقدم خطوة أخرى !
أعجبني كثيرًا المشهد الذي تقول له- عندما ذهب إليها في المصحة التي تعمل بها- أنها لا تتذكره لكنه يزورها يوميًا في أحلامها .. وتلك التي تستيقظ فيها من النوم فتضع الشريط في التلفاز لتتذكر من هي .. ومن هو !
هذا الترحال يفقدني صوابي .. الترحال بين مكانين فقط لاغير يجعلني بشخصيتين .. ربما أكثر !
لا أحبّ ذلك الفقد الذي أشعر به كلما تركت أحدهما للذهاب للآخر، ألا يمكن أن أجمعهم في مكان واحد جميعًا بجواري ؟
أوّل ما أصل هناك، أشعر وكأنني لم أنتقل، وكأنني لم أعبر بحرًا كاملا، بل أشعر أني رغم ذلك أستطيع أن أستقل أوّل سيارة أجرة لأذهب إلى الكليّة أو أن أجد السيارة تنتظرني بأسفل كالكلب الوفيّ !
ولكنّ أيًا من هذا لا يحدث، ولا أجد سوى الفضاء الواسع ومرتدي الأثواب وأفراد الجاليات الجنوب شرق آسيوية .. أتيقن أنني في مكان آخر، لا يوجد هنا حبيبي ولا أصدقائي .. هؤلاء تركتهم هناك ..
أقابل بعض صديقاتي اللاتي لا أراهنّ إلا بين موسم وآخر، تتجدد الذكرى بقوّة ونسعى دون اتفاق مسبق لصنع ذكرى أجمل في زمن قياسي، لنفاجأ بالرحيل مرّة أخرى .. ولا أتخيل، حين الرحيل أنني لن أراهنّ ثانية، وأنني عندما أصعد تلك التلّة سأجد البيت الذي طالما ترددتُ عليه لتناول القهوة .. حتى أرى الشارع المصري بكلّ مافيه من ضجيج، فأتأكد أنني هنا ولستُ هناك .. وأنّ هناك يختلف عن هنا كثيرًا .. لا أحب هناك بقدر ما أحب من هناك .. وأحب من هنا بمزيج متداخل مع هنا .. هذا الفصام يتعبني في كلّ مرة أذهب فيها أو أجيء .. لذلك من أمنيات حياتي الترحال حول العالم، حتى أكسر ذلك الهاجس للأبد .. ولذلك أحبّ التقاط الصور لي مع الأصدقاء في المناسبات المختلفة .. تلك التي يكون الضحك فيها زائرًا حاضرًا بوضوح
بودّي أن أسافر .. أحطّ في بلاد كثيرة وأتركها .. وأعود مرة أخرى للبلاد التي تعجبني أكثر .. أو التي حازت على ذكريات أجمل .. بودّي أن يختطفني حبيبي ويسافر بي ومعي .. ليس على حصان أبيض، وإنما في طائرة ما أو سفينة ما ! لنكن واقعيين !