27 March, 2011

ومن أحياها



من الأسئلة التي كانت تثير حيرتي واستغرابي جدًا، حرمة الانتحار، ماذا لو أنَّ أحدهم كره حياته، يمكن لأحدهم أن يكره حياته لأكثر من أن تتركه حبيبته أو يخسر وظيفته .. هذه أسباب واهية حقًا أمام من يقوم بالانتحار.


ماذا لو أنّ إحداهنّ ولدت ثم توفيّ أبوها بحادث بشع أمام عينيها ثم تزوجت أمها رجلا بلا أخلاق كان ينتهك عرضها ثم فقدت بصرها مثلا وسمعها وأصابها السرطان ! هذا ليس أسوأ سيناريو يمكن أن أتخيله .. لا أريد أن أتخيّل أسوأ لأنني مهما تخيّلت، فلن أكون كمن يعيش الموقف وتداعياته يومًا بيوم..


كنتُ أقول أنني لم أكن أفهم لماذا يَحْرُم على من مِثْلِ هذه ظروفها أن تنتحر .. لماذا يتم التوعّد لمن ينهي حياته المزرية بحياة أكثر إزراء في الآخرة؟


ثم قرأتُ عن الرافعي أنَّه يقول: أنّ المنتحر بفعله وكأنّه يقول لله: "أنت عاجز".. وتخيّلتُ للمرّة الأولى غضب الله.. كانوا يقولون لنا في المدرسة أنَّ الله يضحك ويفرح ويغضب.. وكان مثال الرجل التائه في الصحراء هو جُلَّ ما يوضّح لنا تشبيهًا لفرحة الله بتوبة عبده.
لكنّني لم أفهم كل ذلك إلا عندما قرأتُ مقولة الرافعي.. وسَرَت بجسدي رجفة خوف، هل فعلتُ شيئًا يجعله غاضبًا عليّ كغضبه على مثل هذا الذي يسبّ الله في وجهه باتّهامه بالعجز؟ أرجو أنْ: لا.. وألفُ أرجو أنْ: لنْ.


ثم بدأتُ أسأل الأصدقاء، ترى لماذا الانتحار حرام؟


لأجد الرافعي، مرّة أخرى، يقول:"وحَرِيٌّ بمن يوقن أنَّه لم يولد بذاته، ألّا يشكّ في أنَّه لم يولَد لذاته." .. فكيف تقتُل شيئًا ليس من حقّك التصرّف فيه؟


هذه الرُّوح التي بين جنبيك، والتي عليك أن تعتني بها جيّدًا، وتحافظ عليها، مهما حدث لك، ولها، لا يمكنك أن تنهي عقدك معها، لأنَّك، وإنْ هُيِءَ لك أنَّك لم توقّع عقدًا في البدء يقضي بحفاظك عليها، فأنتَ في الحقيقة قد فعلتَ، منذ زمن بعيد، وفي ظروف لا يمكن لعقلك القاصر أنْ يعْقِلَها " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ"..


تقول صديقتي الأمريكية - حديثة العهد بالإسلام - عندما صارحتُها بأفكاري، "نحن عباد، علينا أن نطيع، كما نذهب للعمل أحيانًا مستائين وأحيانًا عن حبّ، لكننا في الحالتين نذهب... ماذا لو قلنا لربّ العمل كلّ يوم: لن آتِ اليوم؟"..


أخيرًا، سألني أحدهم – كشخص يدافع طول الخطّ عن الثورات وأهلها - : ماحُكْم ما فعله "بو عزيزي"؟ فقلتُ له: حقًا، لا أدري.. فليرحمْه الله..


20 March, 2011

العهد الجديد

بيننا من المشانق والحرائق والموتِ أكثر بكثير من عهود السلام المحتمَلة، بيننا وطنٌ مشترَك وحروب متشابهة وجثث على قارعة الطريق، بيننا أفئدة وثمّة تساؤلات لم نعد نطرحها. بيننا لا توجد همزات وصل يا صديقي يمكن الاتكاء عليها.

قال لي احتفالا بذكرى وداعنا: اشتقت إليكِ.

وأجبتُه: بهذه المناسبة دعني أمنحك قصيدة وليدة، كتبتها إبَّان حربِكَ الأخيرة على ذلك الذي كان بيننا.
قال: تعنين حبّنا، تستحين – بعدُ – أن تقوليها؟
- بل يستحي الحبّ منا يا صديقي، تركناه وليدًا في طريق مهجورة، ومضى كلّ منا في اتجاه غير عابئ بما قد يحدث له.
- تعلمين جيّدًا لماذا.
- وأحبّ أن أتناسى في كلّ مرة أنَّ الحُبّ فرضية أكبر منّا.. أنّه طفل قابل للتبني دائمًا، قبل أن يظهر والداه فجأة يطالبان باسترجاعه.

دعاني لمشاركتِه التدخين.

فقلت له: بعدك يا صديقي امتنعتُ عن إطفاء حرائق كنت قبلك لا أخشى إشعالها ولا يهمّني كيف يتمّ إخمادها. خضتُ عدّة قلوب تشبه قلبك، فكانت خساراتي فادحة.. كسَبِيَّة يُفتَرَض بها أن تكون أميرة متوّجة..
بعد قلبِك أصبحتُ عاجزة حتى عن إشعال سيجارة!
قال: كُفّي عن حواراتك المتحذلقة هذه وتعالي هنا، وقَرَن حديثه بالفعل – لطالما كان رَجُلَ أفاعيل !-، وتضحك برضا – ككل مرة أقولها لك – في كلّ مرة وكأنّك تسمعها للمرة الأولى! يا للغرور ! يا للرجال! سأكفّ حالا عن الهرطقة، سأهبط للواقع وأدخل في عالمِك.

أدَعُكَ تُقَبّلني وتضمني إليك، يغمرني عطرك ويزيدني ذراعك الملتفّ حولي دفئًا فيبدو كلّ فراغ الزمن الذي كان بيننا  لوهلة غير مفهوم، وأتساءل عن الوالدين اللذان استرجعا طفلنا وتخونني الذاكرة.

 تضع سيجارتك بين شفاهي برفق. أريد أن أقول لك: يا للقَتْلِ الرَّحيم. لكنّني أتراجع لكي لا أفسد اللحظة. أكتفي بالبقاء ملامسة لك مستمتعة بتفاصيلك المحببة، أخلع قميصي ذا الأكمام وأبقى بكنزة بلا أكمام تتيح لي الاقتراب فيك أكثر. لا أقاوم ذكرى ماضٍ انهمر كمطرٍ لم أتهيّأ للبلل الذي سيصيبني بسببه.