14 October, 2012

ويكيبيديا عربية

هل حاولتَ المساعدة في إثراء المحتوى العربي في ويكيبيديا ثمّ توقفت نتيجة لضغوط العمل؟ أو تهت بسبب القوانين الكثيرة التي تضعها ويكيبيديا لأجل تحرير صفحاتها وضقت بالطريقة البدائية التي تحرر بها النصوص؟

المشروع الجميل جدًا الذي أنشأه الصديق فهد الحازمي يحلّ هذه المشكلة تمامًا، كلّ ما عليك فعله هو نسخ رابط صفحة الويكيبيديا التي تريد ترجمتها، وسوف يجزئها الموقع إلى سطور تترجم كل منها حسب وقتك، وفي وقت سريع ستجد أنّ الصفحة كلّها تمت ترجمتها بشكل يسهل عليك نسخه إلى الويكيبيديا.

رابط المشروع


06 June, 2012

الحقيقة الجَليَّة في مفهوم الإشارة الالكترونية



يمكنك أن تعرف كيف يفكّر الشعب المصري من متابعة تصرفّات الناس حيال الإشارة الالكترونية الجديدة. بدلا من التغيير اليدوي الذي كان يقوم به شرطي المرور، أصبحت الإشارة مبرمجة على دقيقة مثلا، تظهر بعدٍّ تنازلي للون الأخضر إيذانا بالعبور، ثم يتغيّر اللون ويبدأ العدّ التنازلي لدقيقة أخرى.
الملاحظة ستعرفها عندما تكون الإشارة حمراء، ولا يوجد أيّة سيارات أخرى في الشارع المقابل، لأنّه لا يوجد مجسّات تنبئ بوجود سيارات على مسافات مقاربة من عدمه – كما في الدول المتقدمة – فينقسم الناس على أنفسهم؛ قسمٌ يعبر الطريق متجاهلا الإشارة الحمراء، وقسمٌ آخر يقف مصرًا على احترام احمرار الإشارة ويرفض العبور أبدًا حتى ينقلب اللون لصالحه! ويحدث أحيانًا بعض التجهم والإشارات باليد والاستنكار باللسان من بعض الأطراف للآخرين على اختلافهم، فالملتزمون يذمّون الآخرين ويتهمونهم بعدم الانصياع للنظام أو القوانين أبدًا، وأنّهم فوضويون، والذين يعبرون يتحججون بأنّه لا أحد في الطريق المقابل ولا داع لإضاعة الوقت!
هناك فئة أخرى لم أذكرها، وهي الفئة التي تسبب الحوادث غالبًا. من المفترض أنّه كانت الإشارة خضراء ولديك خمسة ثوان مثلا متبقية والطريق مزدحم، عليك أن تقف تمامًا، هذه الفئة لا تفهم ذلك، بل تستمر في المرور حتى لو كانت ثانية واحدة، فيأتي صفٌ آخر خلفها يسمح لنفسه بالمرور، وهكذا تضيع عدّة ثوان من الشارع المقابل بسبب تبلّد البعض وعدم احترامهم للنظام!
أقول لأختي: إذا أردتِ مشاهدة الصواريخ في مصر فراقبي إشارة مرور الكترونية تتحول من الأخضر إلى الأحمر!
ثمّ، يبدو أنّ الحكومة لاحظت ذلك، فجعلت وميضًا ينير ويطفئ عندما يكون العد التنازلي للإشارة الخضراء مساويًا للثانية الثالثة .. حتى يقف القادم تمامًا، لكن لا حياة لمن تنادي.

هذه باختصار شديد أنواع المصريين، هناك من لا يحترم النظام لأنّه "منقول قصًا ولصقًا" لكنّه لا يتعدّى على الآخرين، وهناك من يحترم النظام لدرجة أنّه يضيع وقته ووقت غيره لأجل نظام منقول بشكل خاطئ، المقلّدون دون تفكير؛ ثمّ الفئة الأخيرة، التي لا تحترم الناس على الإطلاق، ولا ترى سوى مصلحتها وحدها، ولا تدرك أصلا معنى النظام والانضباط. وهي الفئة اللي عايزة الحرق!

17 April, 2012

كراهية

- لماذا تحمل من الكراهية ما لا تحمله من الحُبّ؟
- لأنَّ الحُبَّ خفيفٌ لا يُثْقِلُ كاهِلي؛ ولأنَّه قويّ بما يكفي ليحمِلَنِي أينما شاء؛ أمَّا الكراهية فثقيلة على النَّفْس، ثقيلةٌ على الرّوح؛ لو تخفّفنا منها إلى اللامبالاة فكأنّما نتخفّفُ من أشواكٍ ألصقها بنا الآخرون. وجودها مؤلم، ونزعها مؤلم، وعلاجها الزَّمَن.
- كم مِنَ الزَّمَن؟
- منْ زرع الشوك؟ وإلى أيّ حدٍ تغلغل في مسام جلدك؟

01 April, 2012

في مكنون قوله: «حتّى يغيّروا ما بأنفسهم»ـ




مفردة «التغيير» هي من أكثر المفردات إشكالاً على الصعيد الدلالي. فهي تعني في الاصطلاح "الإصلاح"، ولكن تحمل في مادّتـها وحرفيتها "الغير"، "الآخر". وكأنّ التغيير (على وزن التفعيل) هو أساساً أن نصبح آخرين، غير ما كنّا عليه، حسب السياقات والظروف. تكمن خطورة "التغيير" في أن تكون الأمور "أخرى"، غير ما كانت عليه، وليس مجرّد "إصلاح" العطب أو الخلل كما ينمّ عنه المصطلح. وضرورة التغيير تمليها الأزمنة المتحركة والإرادات الفاعلة. فلا يمكن في أي مكان وفي أي زمان استعمال نفس الأدوات والمفاهيم والتصورات التي تحكّمت في العصور الغابرة. حتى وإن كان من الممكن الاحتفاظ بنفس التركيبات العقلية أو التشكيلات التاريخية أو التأسيسات النظرية والعملية، إلاّ أنّه من المتعذّر أن تكون لهذه التركيبات أو التشكيلات أو التأسيسات الدلالة نفسها أو الاستعمال ذاته من عصر إلى آخر ومن إقليم إلى آخر. لهذا السبب نتحدث عن «التغيير» (الغير، الغيرية، كيف نصبح أغياراً دون أن نتوقف عن كوننا نحن؟)، وأتحدث بشكل خاص عن «لابدية» التغيير كضرورة تاريخية ووجودية لا مناص منها، لأن الحياة تتطور، والعقليات تتقدم، والأزمنة تختلف، فمن المستحيل أن نوقف الزمن أو التغيير بحجة أنه لا يوجد أي شيء نغيّره في حياتنا. فالذي يقف في وجه التغيير هو الذي يخشى أساساً على سلطته ونخبويته ومصلحته، لا أكثر.


نردد في الغالب، بشكل تلقائي وتلقيني، دون الوعي اللفظي والتأويلي، للآية الشهيرة: «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» (الرعد:11). إذا كان هناك أموراً تستدعي التغيير، فهناك قبل كل شيء طريقتنا في رؤية الوجود والوقائع. وهذا ما نستشفه في الآية: ليس «تغيير النفس»، ولكن «تغيير ما بالنفس». وما بالنفس هو طريقة إدراكها للوجود والحياة بالأدوات الحسية أو الذهنية أو الذوقية كما تعلّمنا نظريات المعرفة. أي «ما بالنفس» هو المعيار النظري من العيار الخفيف أو الثقيل في وزن الأمور بميزان العقل أو الحس أو الوهم. فالشيء الذي يتغيّر في النفس وبالنفس هو «زاوية النظر» لترى الأمور من أوجه مختلفة، ومن منظورات مغايرة تحظر عليها النظر بشكل أحادي ومن زاوية واحدة فقط تبني بموجبها الأحكام وتحوّل على إثرها الوقائع إلى حقائق، فتتعسّف في أحكامها وتسرف في رؤيتها. وهنا أورد واقعة تكلم عنها ابن عربي في «كتاب المسائل» وهي الحوار بين الجنيد وسريّ السقطي: «قال الجنيد قال السريّ: سمعت غليم الأسود يقول من أقبل على الأشياء وهو يراها هربت عنه، ومن تركها أتته، قلت له: كيف ذلك يا سريّ؟ قال: كان يذكر أنّه كان يكسب ويجتهد فلا يقوم بكفاية معيشته، قال: فقرأت هذه الآية (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم) فتركت الكسب متوكّلاً على الله بالكفاية، فلو ضربت بيدي إلى هذه الأسطوانة صارت ذهباً وضرب بيده على الأسطوانة فإذا هي تلوح ذهباً. ثمّ قال: يا سريّ، هذه الأعيان لا تنقلب، ولكنّك هكذا تراه لحقيقتك بربّك، فانظر في قوله هكذا تراه يعني الحقّ وهكذا تراه يعني المرئي، أي الرؤية عائدة على الرائي». الرؤية عائدة على الرائي، كذلك التغيير عائد على الذات إذا أرادت أن تتغيّر أو لا. فإذا عزمت الذات على أن ترى المؤامرة أو القَدَر أو غيرها من المعتقدات النفسية، فالمشكلة فيها، وليس في الواقع الذي تسقط عليه إدراكاتـها، أي المشكلة عائدة على رؤيتها أو تواكلها أو تكاسلها، وليس في الأشباح التي تعتقد أنـها تدبّر لها المكائد. فلا يمكن التغيير بالهوس (البارانويا) أو الاعتقاد في الأوهام (مثلما يعتقد الطفل الصغير بوجود الغول)، ولكن يتأتّى التغيير بوضع الذات على محكّ النقد والقراءة التي تستهدف الماضي والحاضر.


إذا تغيّرت زاوية النظر، تصبح «كيفية» التغيير ممكنة ويسيرة، أي عندما نعي بأنّ الوجود متعدد الوقائع والحقائق، وبأن العالم لا يتمركز حول ذات أو منظومة، فإنه يمكننا أن نتغيّر عمّا نحن عليه، نحو وجود أرحب وعالم أوسع، لا ننغلق على بداهاتنا أو مكاسبنا، ولا نغلق العالم بسبب أوهامنا أو غبائنا. وإذا أحسنّا التغيير (أستعمل «الحُسن» بشكل جمالي وخُلُقي كأرقى ألوان التدبير والأداء، مضاهاة للإحسان في الثقافة الإسلامية، الأخلاقية منها والعرفانية) معناه أننا نُحسن تحويل الأنساق إلى الأفعال، و«الرأسمال» الرمزي والثقافي والنصي إلى «صفقات» أدائية و«عُملات» استعمالية. بتعبير آخر، تستدعي «كيفية» التغيير القدرة على تصريف الأشياء أو تحريك الأمور. فلا نتخّذ من تراثنا الملاذ لنحتمي به أو القلعة لنتحصّن ضد واردات الزمان، فنحيا في زمانه وننعزل عن وجودنا، ولكن نجعل منه «أداة» لاستعمال مغاير في الظروف والسياقات التي نحياها، والتي ترتبط بحاضرنا ومصيرنا. التراث هو للاستعمال وليس للتبرّك. مثلاً، النصوص التي نغترف من أفكارها ومفاهيمها، لا نكتفي بتفكيكها لنرى بنيتها ووظيفتها، ولا نكتفي بتأويلها لنقف على مبادئها وغاياتـها، ولكن نستعملها كذخائر لاحتياطات نظرية، وكأدوات لصناعات آنية وراهنة. هذا ما أقصده بكيفية التغيير، فهو يخص العلاقة وليس الحد، يستهدف الأداء وليس الشكل.


لماذا نتغيّر؟ يخصّ الأمر «ما بالنفس». أي لا يتعلّق الأمر فقط بما يجب تغييره خارج ذواتنا من مؤسسات أو نماذج أو برامج، ولكن أيضا بما يقتضي تغييره بذواتنا من أشكال في الإدراك وزوايا في النظر. إنّ «الباء» هي أداة التغيير، أي التغيير بالنفس من أجل النفس.

فإذا أتاح لنا تغيير ما بأنفسنا، فإنّ المؤسسات والتشكيلات تتغيّر، وعكسه؛ إذ أنّنا نتغّير بتغيير مؤسساتنا السياسية وتشكيلاتنا النظرية والثقافية والفكرية. هناك علاقة عضوية وحيوية بين «ما نحن عليه» و«ما نقوم به»؛ علاقة «لادونية» بتعبيرنا، حيث لا تتغيّر الذات سوى بتغيير الرؤية المتجسّدة في الخطاب والمؤسسة والممارسة؛ ولا تتغيّر هذه الرؤية سوى بتغيير إرادي يأتي من الذات يستهدف طريقة التعبير ونمط التفكير وصيغة التدبير. فالملاحَظ إذن أنّ التغيير هو أن تصبح الذات «غير» ما كانت عليه بالارتقاء نحو مستويات أخرى من الوجود والأداء. تتغيّر بالتحوّل في شروطها الوجودية والعملية، وتغيّر بإضفاء شيء مغاير أو مختلف في المستويات أو العتبات التي تنتقل إليها. من هنا، من يزعم بأنّ التغيير يكون بالعودة إلى الأصول التأسيسية المثبّتة في النصوص الأصلية، لا يتوهّم فقط، لا يتوحّم أيضاً، ولكن ينسف الأساس من جذره في إمكانية التغيير كمقولة وكواقع. عندما نقول نتغيّر، فإننا نقصد نتحوّل (نصبح أغياراً، آخرين)، وكيف نتحوّل بالرجوع إلى تأسيسات جاهزة لا تعبّر، بالمعنى التداولي، عن خصوصيات الزمن وتحوّلات الذهنية وارتقاءات العقلية وانفصاليات الجغرافيا؟ أي كيف نتحدّث عن التغيير بصيرورتنا أغياراً إذا كان الرجوع إلى المرجعيات التأسيسية تجعلنا بالأحرى هويات تتماهى مع ذاتـها، لتصبح نفسها، فتدور على رحى ذاتـها؟ كل تغيير هو انتقال بالنصوص لا انتقال في النصوص، حيث «الباء» هي مركب هذا الانتقال أو أداة التغيير؛ إذ «الفائيون» يدورون على رحى النص ولا يبرحون مكانـهم؛ و«البائيون» ينتقلون بالنص وينقلونه في المستويات التي يتقلّبون فيها؛ الفائيون يبقون على عتبة التصلّب والتخشّب، والبائيون يجوبون فضاءات التقدّم والتقلّب.  


أ.د. محمد شوقي الزين؛
كاتب وباحث في الفلسفة والفِكر الكلاسيكي والمعاصر 


25 February, 2012

في المصافحة؛ تأملات


لا شيء يثير ضيقي أكثر من النَّاس التي لا تراعي حدود المساحات الشخصية لكلّ إنسان؛ فتصافح وتقبّل دونما مراعاة لنفسية أو تقبّل الشخص الآخر، المفعول به!

ما الذي سيضيفه لي مصافحة أحدهم – رجلا كان أو امرأة - بيده أكثر من إيماءته لي بالتحيَّة؟

الشيء الوحيد الذي أستعلمه من مصافحة أحد هو معرفة المستوى الاجتماعي للشخص، وظيفته أيضًا؛ فإن كانت اليد ناعمة عرفتُ أنّ صاحبها يعيش حياة رغيدة، أعرفُ – إن كانت امرأة – أنَّ لها زوجًا كريمًا يجلب لها من يقوم عنها بالأعمال الشاقَّة التي تسبب قسوة الجلد وخشونته.. وأرجو في داخلي أن يكون لي زوج كريم لئلا تصبح يدي خشنة، وإن كان رجلًا عرفتُ أنه لا يعمل بيديه، أما إذا صافحتُ رجلا ووجدتُ يده ناعمة جدًا عرفتُ أنّ عليّ ألا أقدّمه لأخي! وهكذا!

ولأنني طالما أردتُ العمل كمحقّقَة في الشرطة، أو عميل سرّي يعرف القاتل فور أن يراه، حاولتُ اكتشاف حسناتِ ما لا أحبّ، فعندما يحرجني أحدهم ويصافحني، فإنَّه يقول لي تلقائيًا: أريدك أن تعرفي كيف أعيش!

من ناحية أخرى؛ كنت أحيانًا أرى نساءً جريئات في رفض المصافحة أكثر منّي؛ رأيتُ إحداهنّ مرة تجذب كمّ قميصها كي لا تحرج الرجل الذي بدأها السلام.

الموقف جعلني أتساءل؛ رغم أنني لا أحبّ تبادل المصافحات والقبلات مع النساء أصلا، إلا أن أوّل ما خطر ببالي أنّها لو قالت له: آسفة لا أصافح الرجال، لكان أجمل بها مما فعلَتْ!

فما فعلتْه – والرجل زميلها أستاذ الجامعة – تخوينٌ لسلامة طويّة الرجل، وإن كانت لا تقصِدُ هي ذلك بردّة فعلِها، إلا أنَّها في النهاية لا تعني شيئًا آخر.

وذلك أرجَعَني لنقطة البداية؛ ماذا قال الله تعالى ورسوله في الأمر؟

ووجدتُ أنَّ الفقهاء أنفسهم منقسمون إلى قسمين، قسم يبيح المصافحة، وقسم يحرّمها، وقسم – وهو الأكثر - يرى أنّها مباحة إلا إذا كانت للتلذذ والشهوة!!

والمقالات التي تستعرض الأدلة لتثبت التحريم موجودة، كما هي المقالات التي تستعرض نفس ذات الأدلة لتثبت الإباحة. وهنا لي وقفة، وسامحوني فسأعرض أقلّ عدد من الشواهد، وسأترك مقالات الطرفين في نهاية مقالي.

أولا: قال تعالى:"وقد فصَّل لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ"، وبداية الآية تستنكر تحريم ما أحلّ الله "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ"، قد يعارضني أحد، أنَّ هذه الآية المقصود بها أنّ الله بيّن الحرام من الأطعمة، وليس الحرام إطلاقًا، وهو سؤال وجيه ومن حقِّه – كباحث عن الحقّ – أن يطرحه، وسأجيبه بقولي: أين الآية التي تحرّم مصافحة النساء للرجال، والعكس؟

ثانيًا: خطر ببالي تساؤل مهمةٌ جدًا إجابته، متى تكون مصافحة الرجال للنساء بدافع التلذذ والشهوة؟
1. خاطب لم يعقد بعد وكلّما زار خطيبته سلّم عليها، وأبقى يديها طويلا في يديه.
2. عاشق مراهق في الجامعة يقابل حبيبته ويسلّم عليها ولا يفلت يديها!
3. عجوز فاجر يسلّم على النساء أينما رآهنّ!
4. زميل عمل يصرّ على السلام على زميلته كلما رآها! – لم تحدث معي ولم أسمع عن هذه الحالة أبدًا، لكنها واردة!-

ولا أجد أمثلة أخرى.

ولا أجد فيما عدا ما سبق – حين يتحدثون عن التحريم – أنهم يتحدثون عن عظيم، فلا يوجد من يسلّم بالأيدي في محيط العمل أو الزمالة، بل هي مواقف معدودات من حين لآخر، وهؤلاء تكون مصافحتهم بلا موعد، ولم يخطط الرجل "الشهواني المريض!" لها قبلها بسنين لكي – عندما يأتي ليمدّ يده – أمدّ له كمّ قميصي باستياء وكأنّني بهذا انتصرتُ ومنعت عنه الإثارة التي كان ينتظرها!

مثال آخر قميء حدث أمامي، أحدهم قال لإحدى الزميلات أمامي:"كنتُ لأسلّم عليكِ لكنني متوضئ"!
ونعود مرّة أخرى للأدلة والشواهد، وأعني بهما الكتاب وصحيح السنّة، فلا نجد ما يقول ذلك، ونجد أنهم يستشهدون بآية الوضوء "أو لا مستم النساء"، سلبوا الأمّة - رجالا ونساء- عقولها، وأفقدوها طهورها بمصافحة.

ذكر ابن تيمية في موضع آخر: أن الصحابة تنازعوا في قوله تعالى: "أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء" فكان ابن عباس وطائفة يقولون : الجماع، ويقولون : الله حيي كريم يُكَني بما شاء عما شاء، قال : وهذا أصح القولين وقد تنازع العرب والموالي في معنى اللمس: هل المراد به الجماع أو ما دونه؟ فقالت العرب : الجماع، وقالت الموالي: هو ما دونه، وتحاكموا إلى ابن عباس فصوب العرب، وخطأ الموالي.[1]

ثالثًا: قلتُ بأنّ من يحرّم ومن يحلل يستخدم نفس الأدلة، وهذا مما برعت فيه اللغة العربية على مدار أكثر من ألفِ سنة، ولا عجب فهي لغة الغواية كما أعتقد، وأقول دومًا، وطالما احتملتِ الشواهد الأمر وضدّه فقد بطل استخدامها كدليلِ جزْمٍ على أحد الأمرين.

كما أنَّ لدينا قاعدتين أصوليتين في الفقه؛ أولاهما: أنّ الأصل في كلّ الأمور الإباحة؛ ثانيهما: قاعدة فقهية تعلّمتُها من رسول الله عليه الصلاة والسلام حين قال: " مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ" البخاري ومسلم
وقوله: "إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودَاً فَلا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا". حديث حسن
فلماذا لا نعتبر هذه المسألة، كما مسألة الغناء – هذه قصة أخرى- من المسكوت عنها؛ فنسكت؟
لو أنّ السكوت ليس قاعدة أصولية فيجب عليه حقًا أن يكون.
رابعًا:
ردًا على من يستدل على تحريم المصافحة بأنّ الرسول لم يصافح النساء في البيعة، يلحّ في بالي تساؤل كنحلة مزعجة، كيف لم يخطر ببال أحد من العلماء الأفاضل أنّ السبب في عدم سلام الرسول عليه السلام على النساء هو كثرة عدد النساء؟ وفي المعتاد في أي مكان عندما يقابل الواحد عددًا كبيرًا فإنّ السلام أو العهد أو أيًا كان مناط الموضوع، يصبح شفهيًا باللسان فقط؟ وأنّهنّ جميعًا نساء حديثات عهد بإسلام، فكيف يسلّم على كلّ واحدة بذاتها ويتلو عليها الآيات، ومن ثمّ يجيب عن مسألتها وكلهنّ في التساؤل والعهد والحدث الجلل سواء؟

خامسًا:
أختم بقول الشاطبي:
"ولذلك لا تجد فرقةً من الفرقِ الضالة ولا أحد من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، وقد مرّ من ذلك أمثلة، بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة؛ ...  ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد: وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها، وعامّها المرتب على خاصّها، ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر بِبَيّنها، إلى ما سوى ذلك من مناحيها، -إلى أن قَالَ: فشأن الراسخين: تصور الشريعة صورة واحدة، يخدم بعضها بعضاً كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة مثمرة، وشأنُ متبعي المتشابهات أخذ دليلٍ مَا أيّ دليل كان عفواً وأخذاً أولياً وإنْ كان ثم ما يعارضه من كلى أو جزئي، فكأن العضو الواحد لا يعطى في مفهوم أحكام الشريعة حكما حقيقيا، فمتبعه متبع متشابه، ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ ما شهد الله به ومن أصدق من الله قيلا"




 [1] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج21، ص(223-224)، ط الرياض


10 February, 2012

حمزة كاشقري

حمزة شاب سعودي؛ كتب في جريدة البلاد؛ وله مدونة تنضح بالرقي والجمال؛ لكنّه ارتكب خطأ جسيمًا؛ يوم أن قرر أن يفضفض للرسول عليه السلام مباشرة في يوم مولده؛ أمام جمع ممن لا يفهمون التأويل؛ ولا يعرفون عن التفسير والنوايا إلا أسودها وأكثرها شرًا وسوءًا.

قامت الدنيا ولم تقعد؛ ووصل الحدّ إلى المطالبة برأسه من كثير من أبناء الشعب السعودي؛ الذي يدّعي في إخلاصه في إهدار دم حمزة؛ أنّه ما يفعل ذلك حين يفعل؛ إلا دفاعا عن كرامة النبي؛ وتلقينًا لهذا العلماني الليبرالي اليهودي!

وما تعرفونه؛ أنّ السعوديين حين يكرهون شخصًا؛ فإنهم يصفونه بهذه الأشياء؛ كونك مكروه يعني لا تخرج عن كونك رافضي/علماني/ليبرالي/يهودي؛ أو كلّها معًا! - ولا أدري كيف لكنهم أدرى -

هرب حمزة إلى ماليزيا؛ بعد أن أصدر الملك عبد العزيز قرارا "باتخاذ الإجراءات اللازمة" معه؛ وذلك بعد أن مُنِع من الكتابة في الصحف السعودية كافّة بقرار من وزير الإعلام السعودي!

لم تنته القصّة؛ الغاضبون الثائرون عاطفيًا؛ المغيّبون؛ الجاهلون جهلا مقدسًا - على قول أركون - يريدون رأس الفتى! 

الخبر منشور في الصحافة الاسترالية والواشنطون بوست وقنوات فوكس وتم عمل عريضة للتوقيع عليها للمطالبة بحقن دماء حمزة. ومجموعة هنا على الفيسبوك تنادي بحقه؛ وصفحة أخرى أعجب بها عدد هزيل من الناس.

وبنظرة إلى الصفحات التي تطالب برأسه؛ وأعداد الناس فيها؛ وكمية العنف والرغبة في الانتقام فيهم؛ أجد أنّ الأمل في التقدم كشعب عربي وسعودي خاصة مازالت تحلّق بعيدًا. لا زال الشعب يكتم الأصوات العالية؛ والسياسيون يدعون الشعب كالرعية الهوجاء؛ لأنّ هذا - بالطبع - يجعلهم منشغلون عمّا يفعلون!

وأجد أنّ الإسلام أكثر ما يكون غربةً في بلاد الإسلام.

يقول عيسى سلمان*:

إن ما قاله الكاتب حمزة كاشغري من عبارات حول الرسول صلى الله عليه وسلم كلمات ذات طابع أدبي سريالي قابل للتأويل و التأويل الآخر، فبوسع المرء أن يؤولها على أنها إساءة، كما بوسع البعض أن يؤولها على أنها عبارات مغرقة في المجاز إلى حد السريالية و أنها تنطوي على حب عميق للنبي صلوات ربي و سلامه عليه !
أن تصف عظيما بالصديق، تستطيع أن تفهمها استصغارا، مع إمكاني أن أطبق أمر الله فأحسن الظن, ونتأولها نحو المبالغة في الحب، خصوصا وقد تم -خلال الساعة نفسها، وقبل تصعيد بعض الموتورين- اعتذاره بأنه أساء التعبير و أن مقصده حب الرسول عليه الصلاة والسلام .. هذا غير بيانه المطول الأخير !

لا أعلم أي منهج يؤطر فهم هؤلاء للدين -خصوصا من يدعون طلب العلم الشرعي- وكيف يجرؤون على تأويل المتشابه من القول، وهم يعلمون بوجود ما هو أحد و أشد وطأة، وأوضح لمحبي التكفير في التراث الاسلامي، ومن كبار الأئمة!
وقد لا يعلم هؤلاء ولكن غرهم الاتباع وفتنوهم بأنفسهم فنصبوا حالهم علماء يحكمون باسم الله عز وجل ويصدرون شهادات الحياة والايمان أو يسحبونها !


إن الإمام أبو حنيفة يقول مقولة لو عاش بعض الموتورين في زمانه لطالبوا بدمه عنترية وجهلا.. وهذه المقولة أحق بالشك لدى الموسوسين مما قاله حمزة! ولكن الاغترار بقداسة الاشخاص تفرق وتسطح الامور !


يقول الإمام أحمد بن حنبل في كتاب السنة النسخة التي حققها د محمد القحطاني ونشرتها دار ابن القيم صفحة ٢٢٦ من المجلد الأول:"كان أبو حنيفة يقول:(لو أدركني النبي صلى الله عليه وسلم أو أدركته لأخذ بكثير مني ومن قولي)" انتهى كلامه!


ولست أدري ماذا كان سيكون موقف الهائجين اليوم من الإمام أبي حنيفة إذ يقول ما يقوله، و هل كانوا سيتهمونه بالإنتقاص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو إدعاء النبوة؟! لكن يبدو أن حمزة كاشغري كان الحائط القصير الذي سهل على الجميع القفز عليه !

تقول إحسان:
ليس من الضروريّ يا إخوتي لنا ولكم أن نهرف في كلّ قضيّة رأي عام تضجّ في المجتمع، الصّمت أولى بنا وأعدل أمام الله حين يتعلّق بشخص لا نعرف عنه شيئًا، هناك الكثير من الحقائق خلف كلّ قصّة وحقائق أكثر تعقيدًا خلف كلّ إنسان، أنت لا تعرف - في هذا الزّمن - عن أخيك الّذي يقاسمك المنزل نصف ما في نفسه، فكيف تثأر وتجزر وتطالب بقتل شابّ لا تعرف عنه إلاّ تغريدات تويتر؟


وفكّروا، كم سأريد من النّاس أن يصمتوا لو أصبح ابني فجأة قضيّة رأي عام !




وإليكم ما قاله حمزة


*كاتب ودارس للعلوم الشرعية بالسعودية

08 February, 2012

حواء


لحواء دومًا ما يؤلمها قبل اكتمال بهجتها؛ عليها أن تنزف كي تصبح امرأة كاملة؛ ثم تتحمل آلام الافتضاض ضريبة اتصالها بمن تحبّ؛ وأخيرًا؛ احتمال آلام الحمل، وعذاب الولادة؛ إذا أرادت أن تصبح أمّا.

ويبدو الألم في كلّ مرة أكبر كثيرًا مما تتوقع حواء؛ تقول: أردتُ البهجة؛ فتقول الحياة: وليس لكِ سوى الألم.

حتى الصّديق؛ ما بينَ من يبتعد كلّما اقتربَتْ خشية أن تكون باحثةً عن ارتباط أبديّ؛ وما بين مقتربٍ يريد ما لا تريد هي.

ولا تترك الحياة لها فرصةً لتختار حياةً ترضاها لنفسِها؛ بل مسارًا إجباريًا إن أرادت أن تتّقي الشبهات وسوء السّمعة. وطريقٌ مرسومٌ سلفًا إن أرادت مباركة الجميع؛ أحياءً وأمواتًا.

مسكينةٌ حواء؛

كلّما حاولت تكسير القيود خارجًا نسيت قيودًا خلقتها لها الطبيعة لا يمكن منها فكاكًا. فأقصى ما تستطيعه هو الالتفاف والانتظار والتحمّل، وفي معظم الوقت، الانكسار والاستسلام والاكتفاء بالحلم.

14 January, 2012

نقد العقل المسلم

كم حزنت لأنني لم أعرف هذا الكاتب الرائع من قبل، كتاباته متّزنة عاقلة، فِكره ملائم تمامًا لما أبحث عنه، كُلّ ما قرأتُ منه سرّني.
وكم حزنت لأنني لم أعرف أنّه نفس كاتب كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" أيضًا، والذي كان بالأساس ردًا على كتاب "تحرير المرأة" لـ قاسم أمين.
أتحدث عن كتاب "نقد العقل المسلم" لـ عبد الحليم أبو شقة رحمه الله.
يقع الكتاب في ثلاثة فصول؛

الفصل الأول: أزمة العقل المسلم المعاصر.
الفصل الثاني: حول منهج التفكير الإسلامي.
الفصل الثالث: حول الخلاف والحوار.

يبدأ الفصل الأول بتبيان حجم العقل كنعمة خاصّة بالإنسان دون غيره من الكائنات، وربط الكاتب العقل بالإيمان ربْطًا يجعل أحدهما بدون الآخر خللًا في النفس، فكيف يكون الإيمان بلا عقل إلا عبودية لبشر؟ فنحن لم نر الله تعالى، ولم نتوصل إليه إلا بعقولنا، وما كان الهدي النبوي عبر الأزمنة إلا مكمّلا للطريق الذي ابتدأه العقل نحو الإيمان.
وما العقل دون إيمان يهديه ويرفع من إنسانيته وروحه؟ ودون قِيَم عليا يهتدي بها تحميه من تدمير نفسه والعالَم؟

العقل الواعي المتأمل المتحرر هو أجلّ ما في الإنسان، فلا هو ينجرّ أعمى نحو سلطان التقليد، ولا سلطان الهوى. وهو أنبل ما في الإنسان وهو الذي يرفع الإنسان إلى أن يكون متميزًا عن غيره من الكائنات التي لا تحتاج إلى العقل.
ثم يقول أنّ الدين جاء ليحرر العقل من الأثقال ولكنّ ورثة الدين يحجرون عليه بتضييق نطاق عمله، وإجباره على تقديس عقول الآخرين، والإنسان عندما يقدّس عقل آخر فإنّ ذلك يعني حتمًا إلغاء عقله. لأنّك لن تجرؤ على التفكير فيما يخالف ما قاله المقدَّس، وإنْ جرؤتَ على التفكير فلن تبوح به، ومن هنا يبدأ التقهقر الفِكْري في المجتمعات عامّة.
ثم يذكر الكاتب مظاهر الانحطاط الفكري، الجمود الفكري، التقليد المذهبي، الاستهلاكية، حصر الجهود في علوم اللغة والشريعة مع التركيز على التقعّر الشكلي دون المضمون، انعدام الاستقرار السياسي، نبذ العلوم الطبيعية وغيرها ..
ويستعرض أعراض انحراف العقل المسلم المعاصر:

1. الغفلة عن القواعد الأصولية والقواعد الفقهية.
كعدم مراعاة الأولويات فيتم تضييق الحلال وتحريم المباح بحجة سد الذرائع، دون فهم حقيقي لدرجة المصالح ودرجة المفاسد وعمل إحصائيات ودراسات ميدانية قبل اتخاذ قرار مصيري يخص الأمة.
ومنها عدم تقبل التعدد والتنوّع والاختلاف، فالاجتهاد باب أساسيّ في الفقه، لكنّ بعض الناس حجروا على باقي المسلمين بحجّة أنّهم ليسوا من أهل العلم، وأنّ الاجتهاد ليس لكلّ أحد فانصرف النّاس عن التفكّر في الدين وأخذوا عمّن جَهِل وأجْهَل.

2. الوقوع في بعض المزالق الفكرية.
ومنها التفسير بغير علم، والقول بأنّ الدين يحلّ جميع مشاكل الحياة، وهو قول قد يفهم بشكل خاطئ وسيء جدًا، فيظنّ الناس أننا لسنا بحاجة إلى عقولنا ولا إلى أن نعمل لنحلّ مشاكلنا بأنفسنا، وهذا مزلق فكري، فالعقل هو الأداة التي ستستخرج الحلول لهذه المشاكل من الشرع.

ومنها الفصام في النظر للنصوص الشرعية أو اعتبار حديث واحد مصدرًا للتشريع، في الوقت الذي تتوافر فيه أحاديث أخرى ناسخة أو مخَصِّصَة.
ومنها معرفة الحق بالرجال لا الرجال بالحقّ، وتقديس الأشخاص، مع أنّه حتى الرّسل عليهم السلام عرفهم الناس بالحق. فكان الحقّ ابتداء على وجودهم.

3. سيطرة الأعراض النفسية السلبية.
كالخوف من البوح بأقوال لم يقلها السابقون بحجّة أنّها بدعة أو ضلالة، مع أن الحديث يقول:"من سنّ في الإسلام سنّة حسنة" أي أن الاجتهاد عندما يصيب فإنه يجنّب الناس الشرور ويقدّم المصالح ولذلك فإنه مطلوب في كل عصر وحين، ومن كلّ مسلم عاقل يفكّر، ومن الأمراض تقديم النوافل على الفرائض والانشغال بالجزئيات عن الكليّات، والاتكالية وشخصنة المبادئ والأفكار، وفقد الثقة بالنفس والآخرين وغياب الموازين المحددة لما يقبل وما يرفض من نتاج حضارات الآخرين، والتفكير الأحادي الغير متعدد الزوايا وغيرها الكثير مما تجده واقعًا ملموسًا في المجتمعات العربية بشكل عام.

تراكمت الأزمة على مدى عقود، حتى أصبح الاعتقاد راسخًا أن عقول المسلمين أعجز من أن تتعامل مع النصّ بشكل مباشر، فتعطلت عقول الناس؛ وأنّ ما بيننا وبين حضارات الآخرين هو صراع علينا أن نكسبه بالتعصّب الأعمى لماضينا دون أن نتحرك خطوة واحدة على طريق مستقبل ناهض، وأصبح المهم حفظ المتون والنصوص والشروح والميل لقراءة وجهة نظر واحدة واتباع مذهب واحد دون قراءة أدلة المختلفين فضلًا عن محاولة التجديد والاجتهاد!

"ومن عيوب العقلية المتدينة المتشددة استعدادها الكبير للتشدد في أمور الدين ولسان حالها يقول "زيادة الخير خيرين" وكأنّ كل زيادة في الدين خير، بينما كلّ نقص مهما صغر فهو أكبر الشرور. وبهذا يختل الميزان الذي وضعه الشرع لحدود الخير والشرّ."

"إنّ تنزيه الله عز وجل وتقديسه واجب إسلامي، لكن الخطأ أن يتحول إلى تقديس كل ما له صلة بالدين، فأي أمر وأي إنسان منسوب إلى الدين (قيادة جماعة دينية / رجل صالح / عابد / رجل عالم / مجاهد .. ) كل هؤلاء يلحق بهم التقديس والتقدير المبالغ فيه من أتباعهم، فتختفي الأخطاء وتتحول إلى كرامات وعبقرية!"

ثم يضع الكاتب تصورات أولية لإعادة تشكيل العقل المسلم بالتركيز على ثلاثة محاور أساسية: تغيير الإدراك وأنماط التفكير، والتنوير بالمعلومات الصحيحة المنهجية عن الشرع والواقع كلاهما، وأخيرًا محور التلاقي بين ما سبق لبلورة تصوّر التغيير وبدء التنفيذ.

ويبدأ الفصل الثاني بأهم نقطة في صناعة الحضارات، وهي صناعة الإنسان، فكلما ارتقى الإنسان وبلغ درجة عالية من التحضر أدرك أهمية صناعة الإنسان، وأولاها عناية خاصة تفوق عنايته بصناعة الآلات، ورسم الخطط وبذل المال لإعداد صانعي الإنسان وصانعي الأجيال.

ثم يتحدث عن منهج إسلامي منطقي عقلاني يعتمد على التروّي في أخذ المعلومة والقدرة على نقدها بحياد دونما الاتكاء على مشاعر وانفعالات سابقة، ويتحدث عن المنهج العلمي، وكيف أنّه مطلوب أيضًا في مسائل العقيدة فضلا عن مسائل التشريع وقضايا التفكير.

ثم يحدد مصادر المعرفة الإسلامية:
1. الوحي كمصدر لبعض المعلومات عن الكون، بعضها وصلنا إليها بالعلم التجريبي وبعضها ماوراء العقل.
2. الكون. ووسائل تحصيل المعرفة فيه هي الحس والعقل.
ويحدد مناهج البحث والتحصيل بـ:
1. منهج البحث العلمي التجريبي.
2. المنهج العلمي الذي يدعو إلى التحرر من إسار الذاتية إلى الموضوعية.
3. منهج أصول الفقه والقواعد الفقهية وهو المنهج الموصل لحقائق الوحي باعتباره مصدرًا للمعرفة.
ويذكر ملامح أخرى للمنهج الفكري الإسلامي لا يطول المقام لذكرها.

في الفصل الأخير يتحدث الكاتب عن الخلاف والحوار، وعن أهمية كلّ منهما، فالخلاف ضرورة من ضرورات الخلق، ولن يتفق الناس جميعًا على شيء واحد ولو أردنا ذلك.

فالحلّ إذن في التحاور، وليس على أحد الأطراف أن يكون صوابًا والبقية أن يكونوا مخطئين، فقد يكون الجميع على صواب فيكون التعاون للنهوض بالأمة آكد.

لقد أصرّ المشركون على الرسول عليه السلام أن يأتيهم بمعجزات ماديّة حسيّة لكن العلم الإلهي رأى أنّ القرآن وحده كاف لذلك، وأنّ على البشر أن ينضجوا ويبدؤوا باستعمال عقولهم.