29 July, 2011

حين تتضاءل الرغبة في الحياة

أريد قول أشياء لا يُمْكِنُ قولها، وفِعْلَ أشياءَ لا يَصِحُّ فعلُها، أريدُ وقتًا لا أملِكه بينما أمْلِكُ بعضَ دقائق لا أعرف ماذا أفعل بها، أنفقها على الأشياء التي لا أريدها لأنّ ما أريده يحتاجُ وقتًا أطول.
أريد أنْ أرحل إلى الصومال لأنسى ما أريد قولَه، ويصبح ما أريد فعلَه بلا جدوى أمام ما سأراه هناك. حيث يتضاءل الطموح أمام بَشَر كأشباه العظام؛ أو بقايا عظام تتحرَّك بصعوبة وكأنَّها عرائس متحركة سئمَتْ موتها فقتلت صاحبها لتجرِّب الحياة.
أريدُ؛ ولا أجِدُ.. والإرادة فعلٌ صِحِيٌّ - كما يقول أخصائيو علم النفس- وبخاصَّةٍ عندما لا يجد المرء ما يريد!
*
حينما تتضاءل الرغبة في الحياة، تصبح الحياة أجمل. ستعرف أنَّ ما تريد قوله سيكون بلا معنى فور أن يتمّ قوله، – ماذا بعد؟– سيفقد ما تريد فعله طعمه إن فعلتَه فعلا – وبعدين؟– ، هكذا فقط تستطيع العيش بسعادة بعد أنْ تضع كلّ أمنياتك في صندوقٍ في سقف روحِك؛ لعلَّ أحدهم يدخل هناك ويفتحه ويرى ما تريد قوله فيقرأه دون أن تُضطَّر لقوله، ويعرف ما تريد فعلَه فيساعدك لتحقق أمنيتِك دون أنْ تسأل!
حينما تتضاءل الرغبة في الحياة، يصبح البَشَر أكثر تفاهة، تراهم كيف يختلفون على ما اتفقوا على تسميته بمباهج الحياة، ولا تستطيع أن ترى وجهًا واحدًا للبهجة، تحاول تعديل عويناتك مرارًا، تحاول استعارة عويناتهم، بلا جدوى. أنت غبيّ ولن تفهم، وعليك أن تتقبل قدرك.
حينما يتضاءل التشبث بالحياة، يصبح للأصدقاء معنى وجوديّ أعمق من أن تصفه الكلمات؛ وجودهم هو الشيء الوحيد الملموس في حياتك اللا مُثْبَتَة.. ما يثبت أنَّك عبرتَ من هنا يومًا إلا صديقٌ شَهِدَ حضورك؟
*
يقول وديع سعادة: "بالتحام الأحرف تلتحم الضلوع أيضًا. فضلوع الناس ليست سوى أحرف، تنتظر من يلحمها لكي تصير شخصًا يمشي."
فيا أيُّها الـ"حاء" وَ"الباء" التحما كي يولَدَ حُبِّي.
لأنَّني لا أريد أنْ أكمِلَ الخامسة والعشرين بلا حبيب.
فحين تتضاءل الرغبة في الحياة؛ تزداد الرَّغبة في الحبيب الذي تتمنَّى أنْ تَفنَى في وجودِه.

22 July, 2011

هكذا قرأتُ زرادشت

زرادشت؛ رجلٌ أراد أن ينير نفوس الناس؛ فرهن وقته ليبثَّ الحكمة فيهم بمحاضراته وكلماته النيِّرة! كانوا يستهزئون منه في البدء؛ ومن ثم؛ وبطبيعة الوقت والترحال؛ أصبح له تلاميذ.

*

انتهيتُ مؤخرًا من كتاب نيتشه "هكذا تكلَّم زرادشت" ترجمة: فليكس فارس وتقديم: عيسى الحسن... أخيرًا عرفتُ من هو زرادشت؛ كنتُ أعرف اسم الكتاب وأتعجب عن زرادشت هذا الذي نقل نيتشه كلامه؛ إلى أنْ عرفتُ الحقيقة.

إنَّه الاسم المستعار لنيتشه!

نيتشه هو الذي كان يرى أنَّه يقدّم للناس خلاصة الحكمة في كتابه هذا. يكتب بروح شاعر وفيلسوف؛ وبرغم أنَّه قد يبدو أحيانًا وكأنَّه يدعو لدحر العاطفة والعمل بالعقل فقط؛ إلا أنَّ كلامه ينضح بأهمية الروح، التعاطف والإشفاق.
فكأنَّه يصف طرفي الإنسان في تعاملاته؛ ووجوب حصوله على الغِلْظَة واللين معًا.
زرادشت؛ الذي يرافقنا طيلة الكتاب رجل ترك موطنه وأصبح يجول في الأرض باحثًا متأملا؛ لا يؤمن بالله؛ ويتعجب ممن يفعلون؛ ويرى أنَّ الدين وسيلة الضعفاء للحياة؛ الله، المسيح، الرهبان، الكنيسة، وفكرة الصلب من المفردات التي تثير سخريته لأقصى درجة؛ ومع أنَّه نشأ في بيئة دينية؛ إلا أنَّه كان يرفض الدِّين تمامًا؛ ومن وجهة نظري – بعد قراءة الكتاب – أنَّه يرفض الخنوع لفكرة تجعله يرفض مواجهة الحياة أو الجَلَد بحجَّة أنَّك تطلب التعويض من الإله بسبب إيمانك بهذه الفكرة؛ وهو ما يوجد لدى كثير من الذين يفهمون دينهم بشكل خطأ؛ الإسلام على الأقل؛ فيقولون لك "اصبر واحتسب" و"لك الأجر والثواب"؛ خالطين بين الصبر على ما لا يمكن تغييره بحال؛ وبين واجب العمل على تغيير ما يمكن تغييره.
يريد زرادشت أنْ يرتقي البشر ليصبحوا متفوقين، ويرى أنَّهم على ماهم عليه من العوام، إلا من جاهد نفسه – ويعظّم في ذلك من شأن جهاد النفس – لأجل أن يصبح إنسانًا متفوقًا راقي التفكير والسلوك.
وتختلف نصائحه بين النصائح المباشرة؛ وبين نصائح أخرى قالها له بعض من قابلهم أثناء ضربه في الأرض.
يتحدث عن معاني روحانية ويجيب بعض الأسئلة الثقيلة على الروح؛ يدعو إلى الإصغاء إلى صوت الجسد لأنَّه لا يكذب؛ يعتزَّ بأرضيتِه بدلا من ادعاء السماويَّة. أن يتصالح الإنسان مع نفسه وأن يقبلها كما هي ويحاول ترقيتها حتى يصبح إنسانًا كاملا، والإنسانية لديه لا تعني الملائكية، بل تعني الاعتراف بترابية الإنسان وجهاده لنفسه حتى يصل إلى أعلى رقيّ إنسانيّ ممكن.

"يا زرادشت؛ إنَّ ثمارك قد نضجت ولكنَّك لم تنضج بعد لتقطفها، لذا وجب عليك أن تعود لوحدتك حتى تصير ناضجًا."
يقول: "لتكن فضيلتك أسمى من أنْ تستخفّ بالأشياء عند تحديدها" في دعوةٍ إلى عدم تسمية الأشياء بغير مسمياتها فينتشر ما يطلق المرء من تعاريف خاطئة!.
يقول أيضًا:"إنني أبغض كل قارئ كسول – عن الكتابة يعني - لأن من يقرأ لا يخدم القراءة بشيء، وإذا مرّ قرنٌ آخر على طغمة من القارئين فلا بد من أن تتصاعد روائح النتن من التفكير! إذا أعطي لكل إنسان الحق في أن يتعلم القراءة، فلن تفسد الكتابة مع مرور الزمن فحسب، بل إنَّ الفكر نفسه سيفسد أيضًا."
ويقول:"تريدنا الحكمة شجعانًا لا نبالي بشيء، تريدنا أشداء مستهزئين، لأنَّ الحكمة أنثى، ولا تحبّ الأنثى إلا الرجل المكافح الصلب"

*

قال: "لم تبلغ المرأة بعد ما يؤهلها للوفاء كصديقة، فما هي إلا هرة، وقد تكون عصفورًا، وإذا هي ارتقت أصبحت بقرة".
عندما وصلتُ لهذا المقطع ضاقت نفسي من نيتشه ومن الكتاب؛ ظنًا أنَّه يحتقر المرأة بشكل خاص؛ ثم بعدها مباشرةً؛ وجدتُ أنَّه يحتقر الرجال أيضًا؛ فخجلتُ من نفسي أنْ أضيق بمن يشبهني في حديثه. ليس من حقي أن أضيق به وقد طاح في الجميع! والمساواة في الظلم عدلٌ كما يقولون!
ولا أدري بعدُ – صدقًا – ما يوجد في البقرة يجعلها أرقى من الهررة والعصافير!
قال بعدها: "ليست المرأة أهلا للصداقة، ولكن ليقل لي الرجال من هو أهل للصداقة بينهم؟ إنَّ فقر روحكم وخساستها يستحقان اللعنة أيّها الرجال، لأنَّ ما تبذلونه لأصدقائكم يمكنني أنْ أبذله لأعدائي دون أن أزداد فقرًا"
ويقول – فيما يبدو للجميع – : "إنكم لا تتخذون إلا الأصحاب؛ فمتى تسود الصداقة بينكم؟"

*

يقول نيتشه: "لقد مات جميع الآلهة فلم يعد لنا أمل سوى في ظهور الإنسان الكامل"؛ فهل يعني أنّه كان هناك آلهة ثم ماتوا؟ وهل يعني – أم أنها ثقافتي تحكم – أنَّ الاتصال بين السماء والأرض قد انتهى وآل مآل الأرض للأقوى من البشر؟

*

ورغم كلّ ما يبدو على زرادشت من الثقة والعلوية التي يتحدث بها ناصح معلِّم إلى تلاميذه؛ فقد قال لأتباعه أنّ كلامه ونصائحه كلّها ربما تكون خطأ؛ وأنّه لا دليل على صحة ما يقول أو أنّه هو نفسه قد يغير رأيه فيما قال يومًا ما. ولا أدري إن كان هذا تواضعًا؛ أم أنَّه انطلاقًا من شعوره بأنَّه الباحث عن الحقيقة الذي يريد للجميع أن يبحث معه لا أن يأخذوا كلامه كأمر مسلَّم به؛ فهو بحاجة إلى من يناقشه لا من يؤمن به دون تشكيك.
يقول: "اللطف لا ينفصل عن مكارم من بلغوا الأوج بتفكيرهم"
ويقول: "إن بين الإفراط والتفريط قيد أنملة، فلا تحتقروا هذا المدى لأنه بعيد وإن قصر"
ويقول: "ما من جمال إلا في تنازل القوة إلى الرحمة"
ويقول: "إن السعادة تتأثرني لأنني لا أتأثر بالنساء. وهل السعادة إلا امرأة؟"
يعظِّم نيتشه من أهميّة الفرد؛ وتحقيق رغباته هو وإرادته هو؛ ويشدد على رفض تنفيذ الأشياء في قطيع دون تفكير فيما يرغب فيه الفرد أولا؛ ويشدد على أهمية أن يحب المرء نفسه أولا قبل أن يحب غيره.

*

يقول عن الزواج: "انتبهوا لكل زواج تعقدونه واحذروا العقود الفاسدة لأنكم إذا تسرعتم بها لا تجنون غير حلِّها، على أن فسخ الزواج خير من تحمله بالمصانعة والمخادعة".
ويقول: "ليس ما فُرِض عليكم أن تتناسلوا وتتكاثروا فحسب، بل عليكم أن ترتقوا أيضًا، فلتكن جنَّة الزواج مدخلكم إلى المرتقى".

الكتاب يستحقّ القراءة. لو أنَّك من المهتمين بسبر أغوار النفس البشرية. والتأمّل فيها.. جدير بالذكر أنَّ نيتشه أصيب بالجنون في نهاية عمره وبقي وقتًا طويلا في مصح نفسي؛ وبحسب ويكيبيديا فإنَّ أمه أخرجته منها ليمكث معها حتى فارق الحياة. ويوعز المحقق ذلك إلى أنَّه لم ترض به امرأة أبدًا؛ فلم يتزوج ولم يسكن إلى امرأة أو تسكن إليه امرأة، ويقول:"لو وجد نيتشه امرأة تؤمن به حتى النهاية لأنقذته من الجنون" لأنّ العقل البشري يعمل بطريقة مختلفة عندما يكون وحيدًا، فكيف بعقل كعقل نيتشه؟
الوِحدة؛ هي سبب قوله:"الآن لم يعد أحد يحبني، فكيف أستمر في حبي للحياة؟"؛ "حتى الضوضاء تكون عزاء بالنسبة للإنسان الوحيد"؛ "المتوحد يلتهم نفسه في العـزلة ومع الحشـود تلتهمـه أعـداد لا متناهية" وأخيرًا: "إني أشتاق إلى الكائنات البشرية وأبحث عنهم، ولكنني دائما أجد نفسي فقط، مع أنني لم أشتاق إلى نفسي، لم يعد يأتي أحد إلي، ولقد ذهبت إليهم جميعا ولم أجد أحدًا".

أبلة ريم

كانت تجبر الجميع على الوقوف فور بدء الحِصَّة؛ وقفنَ جميعًا؛ وقفت متأففة؛ استنشقت الهواء؛ كان صوت المكيف يوحي بأنَّه يعاني؛ قالت بصلافة وهي تشير إلى إبطها: شيلوا الشعر؛ وبعدين اعصروا ليمون قبل ما تيجوا.. واتروشوا! انتوا ما تتروشوا؟ أنتنَّ الآن فتيات كبيرات وكلّ واحدة فيكنّ بإمكانها أن تدير منزلا!

ابتسمتُ؛ كيف تتحدث عن أشياء تخجل معظم الفتيات من التحدث فيها؛ بهذه الجرأة والصراحة؛ تقول ما لم تقله لي أمِّي أمام كلّ هاته الفتيات!

لم أكن أحبّها؛ لكنني كنت أحبّ وجودها كثيرًا ! وأنتظر حصَّتها كأنني على موعد مع حبيب! أحِبُّ المنافسة ومن يجعلني يقظة؛ من يملك هالةً توحي بأنّ لديه الكثير؛ من لا يطرح أوراقه كلَّها مرةً واحدة فتعرفه قبل أن تعرفه!

تمامًا كالكتاب الرائع الذي لا نريد له أن ينتهي؛ نغلقه أحيانًا ونتركه أيامًا بلا وعي منَّا أن السبب الحقيقي هو أنّنا نريد استبطاء ابتهاجنا به لأننا لا ندري كيف ستكون حياتنا بدون ذلك الإحساس الذي يمنحنا إيَّاه وقت مطالعته.

لا نريد للمواقف التي تحدّونا بها وتحديناهم بها أن تنتهي؛ أين ستكون الإثارة إذن لولا وجودهم؟.

في نهاية السنة الأخيرة؛ صافحتني؛ وقبَّلتني بودّ...

وإلى الآن؛ لا ننسى أنا وصديقاتي؛ كلما جاء ذكر المدرسة؛ أن نتحدث عن أبلة ريم.

12 July, 2011

عن المرء سل ودعك من قرينه

قالت العرب قديمًا:"عنِ المرء لا تَسَل وسَلْ عن قرينِه؛ فكلّ قرينٍ بالمقارِن يقتدي"؛ وهو أمر أستطيع جازمة أن أقول أنَّه هراء هذه الأيَّام!

كم تعرف من النَّاس الذين يعرفونك حقًا وتماثل أفعالَك أفعالَهم؟

الآن حيث تكثر المعارف، لا يكاد اثنان يتحدثان في مكان ما حتى يتبادلا أرقام الهواتف المحمولة، ولا يتصلان بعدها أبدًا، لكنّك – لو فحصت هاتفك – فستجد حتمًا بعض الأسماء التي لا تذكر أصحابها، ولا تعرف عنهم شيئًا على الإطلاق.
ومع كثرة المعارف والعلاقات، تلتصق بمعظمها صفة العبور وتُنتَزَع الديمومة إلا من علاقات الاضطرار اليوميَّة، زملاء العمل الذين كنت أراهم يوميًا وأهاتفهم يوميًا منذ أن تركتُ العمل لا أعرف عنهم شيئًا، حاولتُ مع إحداهنّ مدّ حبال التواصل، لكنّ الدنيا كانت أكبر منّا.

الوقت أصبح أقلّ بركة، اليوم أصبح مزدحمًا بالمشاغل، المساحة التي "نقترن" فيها بالآخرين تكون بأحسن أشكالها تزجية لوقتٍ نريد فيه هزيمة همومنا الخاصَّة في جو أكثر مرحًا؛ لكنّ أحدًا لا يعرف – فعلا - عن قرينه شيئًا.

لو كان لك قرين ينطبق عليه شاهد الشعر السابق؛ فأنت إنسان محظوظ حقًا.. غير ذلك .. فالعرب القدماء مخطئون في حقك!

11 July, 2011

شرخ خفيّ

لا يمكن أن تكون رؤية الأحِبَّة والاغتسال بطيب الإله يجلبان الاكتئاب والوحشة المفاجئة؛ هل يمكن أن تكون رؤية الأحبة والاغتسال بطيب الله هي أسباب الاكتئاب والوحشة المفاجئة؟

أم أنَّ الانقطاع عن رؤية الأحبة وفروغ زجاجة العِطْر التي تمدَّنا بروح الطاقة؛ تعلن أنَّ طاقة الروح بحاجة إلى إعادة شحن فقدنا قابسه؟

لا يمكنُ للأشياء أنْ تكون بهذا الوضوح والتحجيم عندما لا يكون لدينا عوينات، ولا نكون من هواة المناظير ولا المجاهر الالكترونية، وخاصَّة .. أننا ربما نكون قد فقدنا البصر منذ زمن!

شيءٌ ما؛ كقطعة بازل في غير محلِّها؛ أحاول الوصول إليها بسرعة قبل أن أمَلّ، لا يمكنني أن أصاب بالملل من هذه اللعبة، لأن الخسارة فيها لا تعني شيئًا سوى الموت.

ربما ما سُكِتَ عنه، ما تُجُوهِل وقتًا طويلا لأسبابٍ تبدو الآن واهية، أيَّ شيء لاكتمال القطعة. لأنني، قطعًا، على يقين من جمال الصورة.

مرفقات:


05 July, 2011

إنَّه لجهادٌ عظيم

أصعب من مجاهدة العدوّ وقِتَاله؛ أصعب من أن تَقتُلَ أو تُقتَل؛ أن تجاهد نفسك التي بين جنبيك؛ وإنْ كان عقلك الذي سئم تكاليف الحياة قد انشقّ على نفسه قسمين؛ وأصبح القسم الأحلى والأغلى والأكثر حضورًا هو الذي يقوم بتحقيق كُلِّ أمانيك في عالَم آخر موازٍ بحيث لا تحتاج للحياة بنصفِكَ الأرضيِّ؛ أو تكتفي منه بنصف حياة مع أنصاف بشر؛ فإن جهاد النفس يكون أكثر صعوبةً وإرهاقًا. فلن يكفيك أنْ تقوم بمحاولة الوصول لهدفك – الذي لا تعرفه بعد – وإنما عليك الاستيقاظ أولا، وجمْعِ أجزائك أولا، ولملمةِ شتات نفسِك أولا، وهذا لا يحدث يا رفاق بين يومٍ وليلة.. وقد لا يحدث أبدًا.

01 July, 2011

يوم مولد مجد


مجد ورائد .. رائد ومجد.. وأبوهما؛ هم كلّ حياتي.. يوم مولد مجد اقترب، ستكمل الثامنة عشرة وقد أصبحت امرأة كاملة منذ عام، امرأة جميلة رشيقة تحمل بشرتها لون والدها الأسمر الصافي، شعرها أسود كالليل تتركه طويلًا جدًا ثم تقصّه فجأة مثل أخيها قائلةً حين تُسأل أنَّ الأنوثة لا تقاس بطول الشَّعْر؛ وأتذكر نفسي وقت كنتُ في عمرها؛ فأبتسم وأفسح لها عقلي أكثر؛ بينما كان الأطفال ينمون كان طفلاي ينضجان؛ وهو شيء جيِّد لو لم يكن لي أصدقاء أو أنني لا أريد أن أمارس الكثير من الأمومة!

مجد؛ اسمٌ على مسمّى؛ كان اتفاقي مع أبيها أنْ أسمّي الفتيات فيما يسمّي هو الأولاد؛ كنتُ قبل أنْ تتكوَّنَ داخلي بوقت طويل أحلم حلمًا ما فتئ يراودني يوميًا تقريبًا؛ كنتُ أرى امرأة في غاية الجمال تقف فوق السَّحاب؛ لم تكن كالبشر في البهاءً والرِقَّة. وكنتُ أفهم – في الحلم – أنَّ اسمها مجدًا.

عندما قالت لنا الطبيبة أنَّنا ننتظر فتاةً؛ تذكرتُ الحلم فورًا وقررتُ أن يكون اسمها مجدًا؛ قال لي زوجي فيما بعد أنّه مستعد لأن يتنازل عن حقّه في تسمية ابننا لأنّني فعليًا لم أختر اسم البنت وإنَّما "اختير لي"! لكنَّه – ككل الرِّجال – لم يكن يعنيها تمامًا! لم أحاوِلْ أن أتمسَّك بعرضه الكريم على أيَّةِ حال، وفات أوان إثبات صدق نيَّتِه.

مجد.. أكثر أنوثة وروعة منْ أن يستحقها رجل آخر. كُلُّ الشواهد تؤكد كلامي؛ جمالها الرقيق؛ صوتها العذب؛ ابتسامتها الساحرة؛ عقلها .. وآه من عقلها، حُبَّها اللا محدود وعطاءها النقيّ الصادق؛ لا أرفض لها طلبًا، وإن اعترض أبوها قليلا فإنَّه لا يستطيع أنْ يفعل شيئًا، ماذا يملك أمام امرأتين واحدة تعشقه والأخرى يقدّسها؟ 

مجد؛ لا أكاد أصدّق أنَّ هذا الكائن نتاجي أنا.. أشكر الله ليل نهار على نعمته التي ما كنتُ لأفهمها يومًا دون أنْ أجرّبها.

مجد.. كان يومًا جميلا، يوم قرَّر الله أنْ نقع أنا وأبوك في الحُبّ.