تقول لي: ماذا تـكـذبـيـن؟
وأرد: أنا أكـذبك .. وأكـذب عنك .. وأكـذب لك
لأنك ترى أن الكتابة مرادف آخر للكذب .. وترفض الاعتراف بأن الكتابة عالَم آخر .. أنا خالقته ورازقته وكاتبة أقدار من فيه ومدبّرة شؤونه كيف أشاء .. أنا ربّه الأعلى !
أنت تشحنني بمشاعر شتى لا أقوى على احتمالها وحدي، والكتابة تجعلني أتخفف منك قليلا .. فأنا محدودة الاحتمال .. وأحتاج للتخلص دوريًا من عبء احتوائـك ! لذلك أمارس الكتابة.. لأتخلص مما أستطيع من شحـناتـك..
وكما جميع الأدوية، لها آثار جانبية، كذلك الكتابة .. لها آثار جانبية سيئة على قلبي.
لأنني من كثرة ما أكذبك .. أصدّق أنّك هنا .. أُصاب بالدوّار فجأة وأتخيل أنّك ستقوم بالتقاطي، ولا أجدك ..
أراك تطلّ عليّ مبتسمًا بينما أعدّ القهوة .. فأعيد تجهيزها لشخصين .. وعندما أنتهي، لا أجدك .. ولا أستطيع تناول أيّ فنجان .. على أمل ظهورك ثانية.
أبكي بحريّة على أمل أن تمسح عبراتي بيديك .. وأنتظر حتى تغلبني دموعي .. ولا تأتي، فأجدني مضطرة لمواساة نفسي، وحدي.
أجدك صباحًا في الشارع تنتظرني في سيارتك .. تشير لي، تأخّرتِ .. فأعتذر لك.. لأكتشف عندما أهمّ بالركوب أن سائق سيارة الأجرة يصرخ بوجهي: هل ستركبين أم لا أيتها المجنونة؟
أنا أكـذبنا.. وأعبث بحياتنا كيف شئتُ .. ولا دخل لأحد فيما أفعل بي .. وبك.. وبعالَمي..
كلنا نعبث يا سيدي .. أنا أعبث بالكتابة عنك دون إذنك، وبمنحك حياة لا تعيشها، ومنحي بطولة لقصّة في رأسي وحدي، إن لم تكن الحياة مسرحًا للعبث لما أرسل الله الأنبياء كي يرشدوا الناس لطريق الهداية، ويقوموا بتقويم أنفسهم ومقاومة جنونهم العبثي ..
لأنّ الله يعلم أن العبث طبيعة بشرية صميمة .. أرادهم أن يقوموا بتهذيب أنفسهم في محاولة لترغيبهم فيما هو أفضل وأسمى .. وأن يقوموا بتغذية أرواحهم عِوضًا عن عقولهم المجنونة .. وأجسادهم المندفعة ..
لأنه لولا وجود الطريق العبثي يا عزيزي، لما طُلِب منا أن نسلك الطريق المستقيم..
أليس كذلك؟