20 November, 2008

اكتئاب

هناك أشخاص تمرّ عليهم ويقولون لك: كيف حالك ؟

فتردّ: الحمد لله .. فيزفرون سعادةً واطمئنانًا وكأنّك قلتَ لتوّك ما سيجعلهم يستمرّون على قيد الحياة، وكأنّ " حمدك الله " قد قام بحلّ كل مشاكلهم وعقدهم وزاد من رصيدهم!!

هل جرّبت أن تقول مرّة .. لستُ بخير ؟ أو: زفت ! مثلا !!

ماذا كان ردّهم ؟

جميل .. هل بدا لك أن عالمهم انهار؟ فيما هم في الواقع -فقط- فضوليين لأن يعرفوا مابك .. وما أن يعرفوا .. ستجد أنك أصبحت غارقًا في نصائح ليس لها أوّل من آخر كي تتخلص من اكتئابك !! لأنّك تكون قد صفعتهم بتغييرك للسيمفونية التي يقومون بعزفها يوميًا دونما تركيز أو تفكير ..

فتعرف أنت كيف تردّ على أمثال هؤلاء في المرّات القادمة؟

:الحمد لله

والتي تضمن لك - ولهم - الدخول مباشرة في ما بعد : كيف حالك ؟ من عبارات قد تُقال دونما إضاعة للوقت في أمطار ناصحة !

قال أنيس منصور في كتابه" وداعًا أيها الملل" شيئا ظريفا عن هذا الأمر، أنّ معظم العبارات التي نتداولها صباح مساء أصبحت روتينًا مملّا جدًا حتى نحن لا نعي ذلك- قد تأتي صباحًا بعد أزمة مع والديك أو خلاف حاد مع أحدهم ثم يقال لك: كيف حالك فتردّ بتلقائية: الحمد لله-*، أودّ اقتباس كلامه لكنّ الكتاب ليس في الجوار .. ولو كان في الجوار فلستُ بحال رائعة من العطاء والتفاني لأنقل منه ما قال.. لكنّ الأمر يستحق لذلك يمكنكم تصفّح الكتاب من هنا ..

ذات مرة قال لي صديق: الاكتئاب شيء جميل ... ومنذها، وبعد حوار فلسفي، وأنا أنظر للاكتئاب نظرة إيجابية .. !

أضفتُ إلى نظرتي تلك الكثير من تحليلاتي الشخصيّة بعد ذلك .. مثلا .. أن ترى الكثير من تفاهة الشباب في مكان ما، وترى عقولا فارغة وفِكْر مضمحلّ فتكتئب، يجب أن تكون سعيدًا باكتئابك هذا لأنك لست مثلهم، ولأن هذا الاكتئاب ناجم عن شعور صحّي بالحزن على حال الشباب .. إذن الاكتئاب جميل وصحّي !

أن تهتمّ بشخص، وتقول لأصدقائك أنك تحبّه، فيما أنت في أعماقك لا تعرف إن كنتَ تحبّه حقًا، وإن كان يحبّك أم لا، وإن كان قربك منه سيزيد من تعلّقك به، وكيف تتخيل شكل علاقتكما بعد انتهاء مدّة زمنية معيّنة .. ولا تستطيع أن تجيب على أيّ سؤال مما سبق .. فتكتئب

فهذا اكتئاب صحّي جدًا .. وجميل، لأن هناك ردود أفعال غريبة وعديدة للحصول على إجابات لأسئلتنا .. لكننا نريد أصدقها وأشرفها ..- وهو الأصعب- لذلك نكتئب !

أن تكتئب عندما ترى أشخاصًا معدَمين أو تسمع أخبارًا عربية .. هذا يعني أنّك ما زلتَ تشعر، وأنّك لم تصبح بعد جثّة حيّة لا تشعر ولا يرمش لها جفن لما يحدث ..

أن تكتئب فتمسك بالقلم وتكتب نصًا رائعًا لم تتصور يومًا أن تكتب مثله، الكاتب قد يُخرِج في نصوصه أضعاف ما يشعر به لأن الكتابة ليست مجرّد فعل، بل هي اسم تفضيل لصيغة مبالغة لفعل يمزج ما بين ما حدث فعلا للكاتب و\أو لغيره مما رأى أو سمع أو أوحى له خياله أثناء حالة نفسيّة معيّنة ..

إذن الاكتئاب شيء جميل !

قِسْ على ذلك الكثير من الأمثلة في حياتنا، والتي يكون الاكتئاب فيها أجمل ما يحدث لنا ! منها أنّ الاكتئاب يمكن أن يكون حلا للملل .. كيف ذلك ؟

لو أصابك الملل من أمر ما، أو من علاقة ما، فيمكنك خلال فترة اكتئابك أن تعالج نفسك وأن تقوم بالخروج من حالتك هذه .. بالتركيز على ما دفعك في البدء لفعل أمر ما، أو ما دفعك للدخول في علاقة بهذا الشخص بالأساس .. فستجد نفسك مذهولا بتغيير حالتك واكتشاف عدّة حلول للخروج من حالة الملل التي أصابتك ..

بينما لولا الاكتئاب، لظلّ الأمر:مللا .. سنعترف بأننا تحت طائلته وننكر أن له حلّا .. ولن نحاول أن نفعل أيّ شيء لمحاربته، وهكذا نقوم بتدمير حياتنا بأيدينا !

كان هذا إجابة لوعدي بشرح مستفيض عن فوائد الاكتئاب !



* أرجو ألا يعلّق أحدهم ليقول أنهم يعنون: الحمد لله على كلّ حال .. أو: الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه

7 comments:

حـنــّا السكران said...

كنت قد كتبت مقالاً توأماً لهذا المقال تماما .. و نشرته في مكان اّخر قبل شهرين ربما .. كنت سأعيد نشره هنا قبل أيام لأن الحالة موجودة .. لكني تراجعت دون أسباب ..
هذا تخاطر مفيد .. يجعلني بحال أفضل ..حالياً على الأقل .. في هذه اللحظة من عمر الإنسانية المعذبة .
وانت كيفك هلـّئ ؟

ـ سأعيد نشره هاليومين

مصطفى محمود said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاكتئاب شئ طبيعي وقد يكون صحيا كما تقولين
ولولا وجوده لما أحسسنا بنشوة الأمل والتفاؤل.

لكن هناك فرق بين أن أكتئب لحادث أو طارئ يحدث لغيري بينما أنا سعيد بهذا الاكتئاب
وبين أن أكون انا المكتئب !!

ما أقوله هنا هو أن ردي بأن الحمد لله على كل حال "وإن كانت تقال برتابة وتكرار تحول إلى عادة"
ولكن لن يكون الحال أفضل إذا صرحت بكل سذاجة وأني لست بافضل حال أو زفت ..

بل أنا دائما بأفضل حال ما دام يدخل إلى صدري الهواء ويخرج مرة اخرى بدون مشاكل
من أدراك أن أي مشكلة من المشاكل البسيطة التي تواجهنا كشجار مع الوالد أو مشادة في نقاش قد تودي بحياتك بعد ازمة عصبية ؟!!

هناك ايضا اعتبار آخر وهو الايجاءات الايجابية والسلبية
فلو اقتنعت أني لست بأحسن حال وان هذه المشكلة التي أحلت بي هي "مصيبة" وكارثة فأنا بهذه الطريقة أزيد من الضغط العصبي
بدون فائدة !!

الحمد لله نوع من ذكر لله
عسى أن يفرج الله بها هما ويزيل بها كربا

سلام

أحمد said...

:)
great post

enjoy this, if you didn't read it yet .

77Math. said...

حنّا

بانتظار مقالك بفارغ الملل !

تعني كيف حالي ؟ هل يمكن أن أقول لستُ بخير ؟
أم لابدّ من قول: الحمد لله ؟

أعتقد بأنّك متفهم لدرجة تجعلني أقول: ليتني أعلم كيف حالي

أسعدني مرورك .. وكونك أفضل ولو لوقت قليل :)

77Math. said...

TeVa

معك حق ..

"الحمد لله" التي تقال للسائلين الذي لا يعنيهم حقًا كيف نحن هي معناها ما قلت، نحن نذكر الله أو نقول أننا بخير ما دمنا نتنفس

لكن من يعنيهم أمرنا والعكس، دون أن نخبرهم، هم يعلمون كيف نحن، ويشعرون بنا

هذه فلسفة قد تتقبلها وقد لا تفعل .. هي ملاحظة يومية على أيّة حال

تحياتي لك

77Math. said...

أحمد

جارِ التحميل..

شكرًا لك :)

ابن المليونير said...

77math العزيزة
يتقابل الناس معا ً كل يوم لإنهاء أعمال أو صدفة فى الطريق أو فى أى مكان او حتى فى مناسبة وفاة و يتبادل الناس معا ً بطريقة الية خالية من الإهتمام سؤالهم عن صحتهم : " إزيك" أو "كيف حالك" و يتلقون الإجابة التقليدية الاّلية :"بخير و الحمد لله" ثم ينصرف كل واحد إلى حال سبيلة.
و لكن هل إنتهزنا فرصة التلاقى لكى ننظر مليا ً إلى عين من نسأله أو إلى قسمات وجهه أو إلى وقفته و مشيته لنسأله بإهتمام : "عامل إية"" او "مالك مكمد الوجه" أو "ماذا بك" لعله ينتظر منا ان نكون مستعدين ان نعطيه اهتماما ً خاصا ً ليتحدث إلينا عمّا به.
إن طريقة سؤالنا و تأنينا فى إستماع الإجابة يمكن ان تكون سببا ً فى بركة كبيرة لمن نقابله او فرصة لكلمة تشجيع نقولها له يكون هو فى أشد الإحتياج إليها.
لذلك يجب أن نعرف ان ما نحن نحتاج إليه من تشجيع علينا ان نفعل مثله مع الاخرين.
و أن هناك لغة للمحبة غير لغتنا العامية العابرة بكلماتها الميتة . بهذة اللغة يمكننا ان نمس قلوب الاّخرين و نعطيهم مما أعُطينا
تحياتى