12 October, 2008

! مجتمع .. مميز

نحن بحق مجتمع مميز، ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، نحن مميزون جداً جداً إلى أقصى حدود التميز. ولكي أثبت أننا مميزون جدا أذكر بأن لوحة سيارة تحمل الرقم (1) بيعت بسعر بلغ (14) مليون دولار في إحدى عواصم عالمنا المميز جداً. اللوحة رقم واحد. "من منا، لا يريد أن يكون الرقم (1)!". وحتى الرقم (11) الذي يحتوي الرقم واحد مكرراً، بيع بمبلغ مليونين ومائة وسبعين ألف دولار فقط لا غير، وقد اشتراه نفس الشاب المميز. ماذا سيفعل هذا الشاب المميز باللوحة المميزة؟ وماذا سيصنع بالرقم (11)؟ إنه حتماً سيحتفظ باللوحة بعد أن صرح أنه لن يستعمل الرقم!


المبلغ جاء من أرباح في سوق الأسهم والعقارات والمقاولات على ما يبدو، والمبلغ وصفه الرابح المميز بأنه "عادي جداً"، لأنه جزء يسير من ثروة العائلة. لكن المميز حقاً أن ريع المزاد سيذهب إلى بناء مستشفى لمعالجة ضحايا حوادث الطرق على ذمة الصحف.


ولكن السؤال هو: لماذا لم يتم التبرع بهذه المبالغ مباشرة إلى أعمال الخير؟ ولماذا لم يمول الرابح المستشفى بشكل مباشر؟ ولا ضير إن طلب تسمية المستشفى باسمه الشخصي، لكي يصبح مميزاً بحق.


نحن مميزون بكل معنى الكلمة، فنحن نتفوق على كل الأمم في التسبب في حوادث المرور. ونحن دائماً الرقم واحد في كل شيء. نتسبب في قتل وجرح الآخرين على الطرقات، ثم نبني لهم مستشفيات لمعالجة ما يمكن معالجته. نحن نستحق الرقم واحد بجدارة، ولا قيمة للملايين لأن المبلغ "عادي جداً"، ولا ينتقص من المخزون المالي.


منذ متى حطم أحد من بني جلدتنا رقماً قياسياً في مجال ذي قيمة؟ ما هي الأرقام القياسية التي تتحطم على أيدينا في عالمنا المميز جداً؟ ما هي الإبداعات والاختراعات والاكتشافات التي تحققت في بلاد عربستان؟ أين تذهب الثروات والأموال الطائلة التي تحققت بفعل فارق ارتفاع أسعار النفط؟


نحن قوم يحبون السيارات حباً جماً لا حدود له. ومن أجل سياراتنا نبذل الغالي والنفيس لكي نميزها بأرقام مميزة. سيرتفع سعر اللوحة رقم (1) ورقم (11) وغيرها من الأرقام المميزة، وستباع بأسعار جديدة بعد حين، مما يعني أننا سنكون أكثر تميزاً.


نشتري أرقاماً صماء، ونحتفل بها، ونحطم الأرقام القياسية العالمية في كل شيء باستثناء الإبداع، ونستثمر في كل شيء ما عدا العقل. فهنيئاً لنا على ما وهبنا الله من نعمة الأرقام المميزة.. لقد كنا على الدوام الأمة رقم واحد، ويبدو أننا سنحافظ على هذه المكانة المتقدمة جداً بين أمم الأرض، ولتسقط كل الأرقام القياسية من حولنا، فإما نحن، وإما فلا، وليذهب غيرنا إلى الجحيم


الدكتور تركي بني خالد

No comments: