وأنّ سقوطي أمام هواك
انتصار
حبيبي
وأنا
كحروف الهجاء
بعيدان بُعْدَ الألف والياء
إن بدأنا بالألف!
قريبان قرب النفس والروح
إن بدأنا العدّ
من نهاية الأبجدية..!
* * *
أنا
وحبيبي
كحبوب الرمال
قريبان جدًا..
في لحظةٍ ما..
وفي أخرى ..
كأقرب من لمح البصر..
يكون كلٌّ منا في صحراء مختلفة..
بفعل الرياح..
بفعل الشتاء..
بفعل الحياة..
* * *
حبيبي
كغيمةٍ حزينة
تسافر وحدها
في السماء..
وأنا..
طفلٌ يبكي دون أن يعرف
أنه مشتاق لأن يعرف سرّ المطر..
* * *
حبيبي وأنا..
كأغنية..
هو اللحن الذي لا غنى عنه لحياتي..
وأنا كالعود الذي يحتضنه ليبدع ذلك اللحن..
مهما فقدنا..
وافتقدنا..
ولو انكسر العود..
أو ضاع الوتر..
سيظلّ اللحن متردّدًا
في القلب للأبد..
* * *
أنا كطائر تائه..
فَقَد التوجّه..
أنا..
كطائر وحيد
ابتعد عن السرب..
ليبحث عن روحه المفقودة..
فجُرِح..
ولم يَصِلْ..
ولم يُتَوَصّلْ إليه بعد..
* * *
حبيبي
كالهواء..
لا نراه..
لكننا نعلم يقينًا أنه موجود..
كالظلّ..
لا تمتدّ إليه يد..
لكنه يحمي الجميع..
* * *
وأنا وحبيبي
كعلبة ألوان.. مبعثرة..
من حبّنا الأبيض
أشرقت كلّ الألوان..
* * *
والآن..
قد صار حُلُمًا بعيد المنال
صار حبًّا محالا
وضربًا من ضروب الخيال..
* * *
قد صار حديثًا غريبًا
طويلا
مملّا
عن الغربة..
غربة الروح
غربة الجسد
غربة العين
وأنا..
أنا وحبيبي
كحبات المطر..
تهطل متفرقة..
وتختلف..
لكنها في نهاية الرحلة
تلتقي..
وتتعانق..
وتنسى كل ما حدث في السماء..
ففي الأرض نحن غرباء..
ولابدّ أن نتوحّد
حتى موعد العودة السرمديّة
لفوق..!
* * *
حبيبي وأنا
حكاية من حكايا شهرزاد
قد لا تعجب الأمير
فيقـتُل الأميرة..
وتموت الحكايا من قبل أن تكتمل..
ويستمرّ القَدَر
لتولد حكاية جديدة..
* * *
"لحظة صراحة".. كان هذا عنوان البرنامج الأمريكي الذي تذيعه القناة الرابعة من سلسلة قنوات MBC الفضائية.. استمعت إلى إحدى حلقاته، وهو تطوير لفكرة برنامج "من سيربح المليون"، ولكن بدلا من توجيه الأسئلة في المعلومات العامة؛ ولأنهم يلهثون وراء التشويق الذي يعتبرونه جزءا من المتعة التي يدفعون من أجلها أي شيء؛ فالجديد الذي يقدمه البرنامج هو أن الأسئلة تخص أدق أسرار الحياة الشخصية للمتسابق.
لم تعد فكرة الربح السريع السهل بدون مجهود التي أطلقها برنامج "من سيربح المليون" مثيرة بما فيه الكفاية، خاصة بعد أن انتشرت الفكرة إلى مئات البرامج والمسابقات القائمة على نفس المنظومة من تعلق الناس بالحلم اللذيذ، وهو أن يصبحوا مليونيرات بمجرد اشتراكهم في برنامج مسابقات لتضيع قيم العمل والمجهود في وسط أحلام ملايين البسطاء أن يجلسوا على الكرسي السحري الذي ينقلهم من عالم الفقر إلى عالم الغنى بمجرد الضغط على بعض الأزرار وهم يجيبون عن الأسئلة.
هدم لقيم الإنسانية
وانتقل برنامج "من سيربح المليون" إلى نسخة عربية؛ ولأن الحياة عندنا أصعب والمجتمعات أقل نضجا والناس لا يفهمون ما يُفعل بهم، فلك أن تتخيل هذا التأثير الذي ذكرناه -وقد ضرب في مائة- تربويا واجتماعيا وقيميا ونفسيا، ولأن إذاعة النسخة الأمريكية على إحدى قنواتنا العربية في الغالب يتبعه تحويله لنسخة عربية مهما كان الاختلاف الثقافي بيننا وبينهم والحديث عن حرية الإعلام والإبداع جاهز ليشهر في وجه كل من يجرؤ على الكلام، فكان لابد أن أقف رافعا صوتا مبادرا بالتلويح بالخطر القادم، بل بالدعوة هذه المرة إلى مهاجمتهم في عقر دارهم، معلنين رفضنا لما يجري لأن الأمر تجاوز الخصوصية الثقافية إلى هدم كل ما هو إنساني بمعنى الكلمة، وهو أمر يجب أن نهب جميعا للدفاع عنه انطلاقا من كوننا ننتمي إلى الإنسانية التي يهدرونها والتي نقدر تماما أن هناك في بلادهم من العقلاء من يشاركنا رأينا ورؤيتنا في خطورة العبث بقيم الإنسان وبكونه إنسانا فقط قبل أن يكون منتميا لدين أو لثقافة أو لبلد معين.
يحضر البرنامج جميع أفراد أسرة المتسابق، وفي الحلقة التي شاهدتها والتي أقدمها دليلا على ما أقول كانت المتسابقة سيدة متزوجة، وكان يحضر زوجها بالطبع وأمها والأخ وزوجته، ومقدم البرنامج يقدم للناس أسباب اشتراك المرأة في الحلقة، وهي أن لديهم أولادا، وعليهم ديونا، وأن الرجل متعثر في حياته الوظيفية، إنها البداية.. الرسالة الأولى: يا من تحتاجون المال من أجل أولادكم لا تبذلوا المجهود وتعالوا عندنا فسنحل مشاكلكم، الرسالة واضحة جلية وليست استنتاجية، فالمقدم طوال البرنامج يؤكد عليها كلما بدا أن المتسابقة قد تعبت مما يفعله بها، فيبتسم ويقول تذكري أنك قد جئت من أجل المال وأن لديك متاعب ستحلها الدولارات التي ستربحينها... وهكذا.
أبسط الأسئلة هو سؤال لو أنكِ متأكدة تماما من أنك لن يكتشف أمرك ولن يقبض عليك فهل ستقدمين على سرقة مصرف (بنك)؟ ليكون الرد الصريح نعم، وليعلق الزوج وسأكون أنا من يقود السيارة التي تهرب بها.. ويعلو التصفيق، وليرسخ في الأذهان أن ما يمنعنا من سرقة البنوك هو فقط الخوف من القبض علينا، ولكن الأصل أن كلنا لصوص ننتظر الفرصة، وليس الأصل أن فطرتنا سليمة تأبى الخطأ والخطيئة.
ولكن هذا سؤال بسيط جدا ويضرب قيمة بسيطة لما تضربه باقي الأسئلة مثل:
· هل غازلت أحد الرجال بعد زواجك؟!
· هل تخيلت أحدهم وأنت تمارسين الجنس مع زوجك؟!
· هل تخيلت أحد أفراد فريق موسيقي مشهور وأنت تمارسين معه الجنس؟!
· هل تمنيت إقامة علاقة جنسية مع أحد زملائك في العمل؟!
· هل دعوت أحدا ممن أقمت معه علاقة جنسية إلى ليلة زفافك؟!
· هل توجد لديك أسرار يمكن أن تكون سببا في إنهاء حياتك الزوجية؟!
الإجابة الصريحة عن كل هذه الأسئلة هي نعم بالطبع، حتى يصبح الأمر مشوقا ومثيرا، والمذيع يقول لها بصراحة هذه الأسئلة تضرب قيمة الزواج ولن تعود العلاقة بينك وبين زوجك بعد الحلقة كما كانت قبلها، ولكن كل شيء يهون في سبيل مائة ألف دولار، والسيدة تبدي موافقتها على المبدأ والجميع معجبون بتضحيتها من أجل بيتها.. التضحية بماذا.. بكل قيمة للزواج.. ليس كلامنا.. إنه كلام مقدم البرنامج حتى لا يعطي أحدا الفرصة للتأويل أو الفهم الخاطئ.
والغاية.. المال
ولأن قيمة الزواج ليس فقط المطلوب أن تضرب، فإن أسئلة من شاكلة هل ترين نفسك كأم أفضل من أمك هي أسئلة عادية في هذا السياق، والعجيب -إذا بقي هناك شيء يتعجب منه- أنه من حق الزوج الاعتراض على السؤال الموجه لزوجته بحيث يُلغى وتسأل غيره، ومع ذلك فإن الزوج لم يعترض على كل الأسئلة السابقة، وإنما اعترض على سؤال واحد، وهو هل تشعرين بالحرج من كونك يهودية؟ هنا تحركت الشهامة والرجولة والنخوة في نفس الزوج واعترض على السؤال لأنه سؤال صعب على زوجته.
أما كل أسئلة ممارسة الخيانة الزوجية بكل صورها ودرجاتها في حقه فهذا أمر لا يستحق الاعتراض ولا يراه سببا لإحراج زوجته، فكل شيء يهون في سبيل مائة ألف دولار، وللتأكيد على أن شيئا لم يحدث فإن البرنامج ينتهي بشكل درامي والزوجة تذرف دموع التماسيح وهي تقرر الانسحاب وعدم إكمال المسابقة حرصا على مصلحة أسرتها حتى لا تخسر (مائة ألف دولار)، والرجل الشهم يقوم بالقفز فرحا ويحتضن زوجته التي حققت الكثير من أجل أسرتها، ولا نعرف عن أي أسرة يتحدثون؟! وهل يكفي أن يعيش رجل مع امرأة تخونه بكل صور الخيانة حتى يسموا هذه أسرة؟!
هذه بالطبع هي وجبة السم الدسمة، أما الوجبة الخفيفة الفاتحة للشهية والتي تقدم في كل حلقة قبل الوجبة الدسمة فهي ضرب كل مقدس وكل خصوصية.. لا معنى لشيء اسمه الخصوصية أو عدم الجهر بالسوء أو مقدس أو قيمة، كائنة ما كانت، فلا حياة زوجية ولا علاقة بأم ولا علاقة بأبناء ولا حياء من أفعال قبيحة أو مذمومة، فلا ثوابت ولا قيمة عليا ولا مرجعية إلا لكسب المال بأي صورة وبأي طريقة حتى ولو كانت بكشف عوراتنا للناس يطلعون عليها ويستمتعون بالنظر لها.. ما هذا الانحطاط الإنساني.. وإذا كانوا هم قد وصلوا إليه فما الداعي لاستيراده وعرضه علينا في بيوتنا؟! حتى يضيع الحياء تماما.. حتى نفقد إنسانيتنا تماما.. حتى لا يعود لدينا أي قيمة نتمسك بها بتاتا.. هل نحتاج للتدليل على قيمة الستر والحياء وعدم الجهر بالسوء؟!
يا ليته إعلان وفضح من أجل العلاج والتنبيه والإيقاظ؛ ولكن الفضح والإعلان لهتك كل الأستار.. لتسيل كل القيم حتى لا يصبح هناك أي ثابت.. ليصبح كل شيء نسبي حتى كراهية الإنسان.. أن تهتك أسراره وسرائره وفضائحه، وحتى هذا الدافع الإنساني الاجتماعي، وهو الرغبة في الظهور بصورة جيدة أمام الناس وكره الفضيحة.. حتى هذا الدافع يقتلونه.
حقوق إنسان جديدة
فلنبدأ من قناتنا الفضائية العربية ولنتوجه إليها جميعا، فلتصلها آلاف الرسائل من كل نوع؛ إلكترونية ومكتوبة وعلى المحمول، تطلب وقف هذا البرنامج الفاضح لأنه لا قيمة من وراء إذاعته إلا نشر الفاحشة، ولو لم يستجيبوا فلنقاطعهم لنعلمهم أن الجماهير ليسوا قطيعا يتلقون أي شيء يقدم لهم ببلاهة دون فهم للمقاصد.. فلنعلنها رقابة جماهيرية واقعية عملية موضوعية إذا كانت الرقابة قد غابت إلا على كل ما هو سياسي أو يخص الحكم وكراسيه.. فعندها تتحرك أنوف وزراء الإعلام العرب لحماية قيمهم الخاصة، وهى حماية كراسيهم وكراسي أسيادهم الحكام، أما القيم الحقيقية فلن يدافع عنها إلا أصحابها.
ولتكن خطوتنا الثانية هي لهؤلاء المنطلقين دون حدود.. أليسوا يعلنون كل عام تقارير لحقوق الإنسان في كل أنحاء العالم يقيمون فيها ما يتصورونه حقوقا للإنسان من وجهة نظرهم؟! فلماذا لا نفعل ذلك بالمثل ونكون جمعيات لحقوق الإنسان من وجهة نظرنا نرسلها إليهم، وندين فيها انتهاكهم لحقوق الإنسان الأصلية في الحفاظ على آدميته وحقه في البقاء إنسانا لا تهدر كرامته ولا تذبح إنسانيته من أجل المال، وليكن هذا البرنامج الذي ينتهك حق الإنسان في الحفاظ على خصوصيته وأسراره هو البداية.. بداية حقوق جديدة للإنسان إذا لم نحافظ عليها فلن يهدم مجتمع بعينه بل ستهدم حضارة الإنسان؛ لأنه عندها سنكون كالأنعام بل أضل سبيلا، فلندشن حملة إلكترونية نكون نحن فيها المبادرين هذه المرة للدفاع عن حقوق الإنسان.
د.عمرو أبو خليل
إسلام أنلاين 9/7/2008
عُرض كلٌّ من البرنامجين على قناة Mbc4, في نفس الفترة رغم اختلاف الغاية؛ وبما أن استنساخ برامج تلفزيون الواقع هو عادة عربية بامتياز, فأبدأ مقالتي بهذا الرجاء: أن تُرمى فكرة استنساخ برنامج (لحظة الحقيقة) في سلة المهملات, ويُستنسخ بدلا منه برنامج (المخترع الأمريكي).
برنامج (المخترع الأمريكي) – لمن لم يره - يستفزّ عقول الناس في كل بقاع أمريكا ويستحضر الهمم من أجل التنافس الشريف ليفوز صاحب الاختراع الأول بمبلغ مليون دولار, والجميل في البرنامج أن واحداً من الأربعة المرشحين للفوز لم يكن أشقر اللون أو ذا أصل غربي, عدا أن لكل منهم قصة إنسانية مذهلة بدءاً من انبثاق فكرة الاختراع في ذهن صاحبها, إلى سنوات الصبر الطويلة والمثابرة الحثيثة لتحسين الاختراع والعمل عليه للوصول إلى الجائزة.
كنت أتابع البرنامج مع عائلتي دون أن أستطيع إخفاء انحيازي لأصغر المرشحين سناً, الشاب ذي التسعة عشر ربيعاً, الجامايكي الأصل الذي وفد إلى الولايات الأمريكية المتحدة بعمر 12 عاماً, وعاش في بيئة فقيرة بين أبيه الكادح وأمه المريضة, وحفّزته وفاة أخته الصغيرة على التفوق لأنه كان دائماً يتخيل أنها ستكون سعيدة لسعادته, وأما اختراعه فقد كان دراجة هوائية بمقعد إضافي أمام السائق يمكّن الجالس فيه من تحريك دوّاستين إضافيتين, فأعطى بذلك مثالاً حياً على الحكمة القائلة بأن الحاجة هي أم الاختراع, إذ لم يكن لدى أسرته سوى دراجة واحدة لا تكفيهم للتنقل.
أما الذي فاز بالجائزة, فهو رجل من أصل هندي, توفّيت طفلته داخل سيارته إثر اصطدامها بسيارة أخرى, فقضى سنوات طويلة يعمل على تحسين المقعد المخصص لجلوس الأطفال ليجعله أقرب إلى شكل رحم الأم, فيحمي الطفل من أي صدمة, وهي فكرة عبقرية ومثال للشخص الذي يستطيع أن يحوّل المحنة إلى منحة جاعلاً من الليمونة الحامضة عصيراً حلواً.
رغم انحيازي للشاب الصغير فقد كنت أعلم أن هذا الرجل هو الذي سيفوز بالجائزة, لأن اختراعه يسعى إلى حماية الحياة, وهي المطلب الأول قبل التعليم الذي كان مجال اختراع المرشح الواصل إلى المركز الثاني, وكذلك قبل الرياضة التي كانت الحقل الذي تحرك به المشارك الذي وصل إلى المركز الثالث, وكلاهما أمريكي أفريقي, وليس أمريكياً أبيض.
لجنة الحكام ينحدر أفرادها من أصول مختلفة أيضاً, وفي ذلك تأكيد على نزاهتها وشفافيتها, إضافة إلى تخصص كل منهم في حقل معين يجعلهم جميعاً يتكاملون رغم الاختلاف, لذلك فقد تبدى في برنامج (المخترع الأمريكي) الحلم الأمريكي حقيقة واقعةً, وذلك بنجاح كل من تلوح أمامه الفرصة فيُحسن اهتبالها, ومن هنا تأتي أمنيتي أن أرى برنامجاً مثله على الفضائيات العربية.
أما برنامج "لحظة الحقيقة" فهو صادم للأمريكيين أنفسهم, لدرجة أن الإعلان للبرنامج يشير إلى الجدل الواسع الذي أثاره البرنامج, ولكن الإعلان الذي أخافني حقاً هو أن هناك نسخة عربية قادمة منه, والسؤال المطروح: لماذا نقلّد الأمريكيين في الانحدار ولا نقلّدهم في العبقرية؟!
البرنامج - لمن لم يره أيضاً- يستضيف متسابقين عاديين, لا فنانين ولا مشهورين, ويجلس المتسابق أو المتسابقة على كرسي في المنصة مقابل المذيع, بعد أن يكون قد تم توجيه 50 سؤال له أثناء الإعداد للبرنامج مع تقييده إلى جهاز كشف الكذب, ثم يتم انتقاء 21 سؤالا من هذه الأسئلة لتوجيهها مرة أخرى إلى المتسابق أمام الجمهور الذي يضم ثلاثة من أقرب المقربين إليه, وهؤلاء المقربون يجلسون على المنصة أيضاً ليستطيعوا الضغط على زر يمكّنهم من إفساح المجال للمتسابق بالهروب من ورطة سؤال واحد لا أكثر!
يجب أن يكون المتسابق صادقاً في كل إجاباته حتى يستطيع الوصول للجائزة المقدرة بمبلغ 500 ألف دولار, ويبقى خلال المسابقة مهدداً بكشف أخصّ خصوصياته, وهذا التهديد لا يقف عند حدّ فضح شخص المتسابق فقط, بل يتعدى ذلك ليهدم أقوى العلاقات البشرية كالعلاقة مع الأم أو مع شريك الحياة.
يتم اختيار الأسئلة بعناية ومن خلال معرفة كلية بالمتسابق وبماضيه, وخفاياه وسوابقه, ويعتمد المذيع على إشغال المقربين الثلاثة ببعض الأسئلة أيضاً, وذلك بغية تحريض المتسابق على قول الحقيقة, ومع تداعي الأسئلة يتم كسر الرابطة الإنسانية بين المتسابق وأحد المقربين منه تدريجياً؛ على سبيل المثال تُطرح أسئلة عن الخيانة الزوجية, حتى لو كانت متخيَّلة, كرسوخ علاقة سابقة للزواج في صميم نفس المتسابقة وعدم إمكانية استبدال الزوج الحالي بالصديق القديم على مستوى الخيال كما حدث في الحقيقة, مما يشكّل صدمة كبيرة للزوج الجالس والذي يستمع إلى إجابة زوجته التي تطيح بمكانته في نفسها من أجل المال, فيبدو كأنه "خيال المآتة" أو كأنها تزوجته لإكمال "البرستيج" الاجتماعي.
حتى في أمريكا خيانة الرجل لزوجته أهون من خيانة المرأة لزوجها, ولكن السؤال الأكثر إدانة للشعب الأمريكي, وليس للمتسابق أو لعائلته فقط, هو الذي يطرحه المذيع ببرود أعصاب: هل بقي في أمريكا صادق واحد؟! وسبب السؤال أنه لا أحد من المتسابقين استطاع تخطي حاجز 100 ألف دولار, بسبب انسحابهم من المسابقة قبل أن يخسروا المال الذي فازوا به بعد خسران علاقاتهم مع أقرب المقربين, وذلك على عكس الفئة الأخرى من المتسابقين الذين خرجوا من البرنامج مفلسين, بعد أن خسروا العلاقات والمال معاً؛ وقد ألقت الحلقة الأخيرة من البرنامج الضوء على حالة امرأة خسرت الأمرين, بعد أن وصلت لسؤال المائة ألف دولار من خلال تحطيمها لعلاقتها الزوجية باعترافها أنها تفضّل أن تكون مع صديقها السابق الذي أحضره البرنامج ليلقي عليها سؤال الأفضلية بنفسه, وكان سؤال المائة ألف دولار: هل تعتقدين أنك امرأة صالحة؟
أجابت المرأة - التي اعترفت بخياناتها الحقيقية والمتخيلة - على سؤال الصلاح بنعم, وأعلن البرنامج أنها إجابة خاطئة فخرجت بخفيّ حنين – كما يقال – أو بالأحرى خرجت تجر ثوب الخزي, فقد فضحت نفسها بخياناتها, كما فضحت مدى جهلها بنفسها, فهل لبشر عاقل أن يظن نفسه صالحاً بعد خيانته لأقدس رباط بشري؟!
إلقاء الضوء على هذا البرنامج ليس بغاية الإعلاء من شأنه, بل خشية مضي "العبقرية" العربية قُدماً من أجل استنساخه؛ وإذا كان الراحل عبد الوهاب المسيري قد درس ظاهرة الفيديو كليب أو بالأحرى العري كليب, وطالب النسويات أو المدافعات عن حق المرأة بالمساواة مع الرجل بوقف هذه الظاهرة المهينة لإنسانية المرأة, فإني أطالب أن يرفع كل مدافع عن الأسرة صوته لمنع استنساخ برنامج لحظة الحقيقة أو أي برنامج مشابه له, لأن الله أمرنا بالستر على أنفسنا وعلى غيرنا, وفي الحديث الشريف:(كل أمتي معافاة إلا المجاهرين).
أرجو ألا يفهم أن ديننا يبرّر الأخطاء أو أنه يدعو إلى الستر على المسيئين بحق البشر الآخرين, وأذكر أن شخصاً أمريكياً أرسل لي تعليقاً على إحدى مقالاتي - المترجمة إلى الانكليزية - يضم مقالة يرى كاتبها أن ثقافتنا العربية هي ثقافة العيب وثقافتهم الغربية هي ثقافة الشعور بالذنب, ومع أن في هذا الرأي شيئاً صحيحاً؛ لكن برنامج "لحظة الحقيقة" حطّم ثقافة الشعور بالذنب التي يتفاخر بها الغرب, وبقي علينا ألا نحمّل ديننا وزر عيوبنا, بل من واجبنا أن نقدم ثقافتنا الإسلامية على أنها ثقافة الستر من أجل المغفرة, لا أن ننتقل من ثقافة العيب إلى ثقافة الفضيحة!
د.ليلى الأحدب
الوطن السعودية 14/7/2008