02 July, 2008

الـقـضـيـة

لم تكن تعلم أنّ الحب خطيئة .. كان عليها أن تعلم أنه كذلك لأن والدها دون أن يدري كان يرى أن حب البنات خطيئة .. وأن إنجابهن خطيئة .. وأن خروجهن خطيئة .. تعليمهنّ خطيئة..هنّ الخطيئة ذاتها!

أفاقت في دار أحداث .. لم تُرِد أن تتذكر ما حدث لها .. الآن مكانها سرير في غرفة مشتركة مع بعض المجرمات، الجانحات كما يطلق المجتمع عليهنّ.. كلّ واحدة فيهنّ لها حكاية .. تشبه حكايتها أو أسوء..

خطأها الوحيد أنها أحبّت .. ووثقت فيمن منحته قلبها فاستلب جسدها رغمًا عنها في لحظة ثقة عمياء .. ولم تستطع محاميتها الشابّة التي تدافع عن الفتيات بكلّ طاقتها أن تسمح لها بالعودة لبيت أبيها بعد ما حدث، خاصّة لما قابلت أباها وعرفت وجهة نظره تجاه الفتيات عمومًا .. فكيف بفتاة مُعتدى عليها يرى الجميع أن الخطأ خطأها وحدها .. وأنها المجرم الأوحد في القصّة .. وجُرمها – ويا للسخرية- في حق عائلتها !

لا مراعاة لنفسيتها المحطّمة .. لا مراعاة للحقيقة .. كل ما في الأمر أن هذه الفتاة جلبتِ العار ويا ليتها ما وُلِدَت..

أحاطتها المحامية بكلّ اهتمام ورعاية .. وجلبت لها علبة ألوان وكرّاس لترسم ريثما تُحَلّ قضيتها، وأوصت المسؤولة عن دار الأحداث بها جيّدًا .. فهي ليست جانحة كبقية الفتيات .. بل هي مجني عليها .. ولا يوجد أمكنة ترعى مثل حالاتها، وهي كثيرة.

في السرير المجاور كانت ضحيّة لمثل قصتها تمامًا .. تصادقـتا بحكم الألم المشترك.. وكان عرض قضيتها قريبًا .. يومها دخلت تلملم أشياءها .. قالت أنه عرض عليها الزواج .. ووافقت ..

سألتها: مبسوطة؟ وأجابت: والله ما بعرف، يمكن.

في اجتماعها مع محاميتها .. أخبرتها أن الجاني سيعرض عليها الزواج، فإن وافقت برّأته المحكمة، وسقط عنه الحكم في القضيّة، وإن رفضت قضى عقوبته حبسًا.

وأوصتها ألا توافق.. قالت لها: إيّاكِ أن توافقي على الزواج منه..وصمتت قليلا وأمسكت بورقة بيضاء ناصعة لتكمل: عزيزتي، يتزوجك الرجل وحريتك كهذه الورقة البيضاء، يقول لك الرجل: لا أحب هذا التصرف منك، غيريه، فتغيريه دونما نقاش، انطوت الورقة، وطوتِ الورقة نصفين .. يقول: تسريحة شعرك لا تعجبني، غيّريها، فتغيرينها دون نقاش، انطوتِ الورقة .. قال لكِ: هؤلاء الأشخاص لا أريدكِ أن تعرفيهم، لا خروج من المنزل .. إلخ وأخذت تطوي الورقة في كل مرّة حتى أصبحت مربعًا صغيرًا..

ثم قالت: أين حريتك؟

ثم أخذت ورقة جديدة، وعصرتها بين يديها حتى أصبحت مكومّة مكرمشة، وقالت: فما بالك بمن بدأ علاقته معك بأن ألغى حريّتكِ تمامًا وأخذ منكِ شيئًا لكِ دونما حقّ له؟

بكت كثيرًا على وسادتها.. لن ترضخ لهم أبدًا .. يوم عرض قضيتها سألها القاضي: فلان يعرض عليكِ الزواج، هل تقبلين؟

نظرت إلى أمها، تنظر إليها برجاء وتهزّ لها رأسها أن: نعم، تنظر لأبيها، غير مهتم بالأمر فيبدو أن قرارها لن يقدم أو يؤخر في نظره.. أعادت نظرها للمجرم..

ثم للقاضي قائلة بحزم أكبر من المأساة: كلا.

بكت الأم منهارة، وخرج الأب لا يهتمّ.. وهنأتها المحامية بينما يخرجون من المحكمة ..

وعندما انتهت فترة إقامتها عادت للمنزل.. استقبلها أبوها وأخوها بنظرات مستذئبة أكثر من تلك التي رأتها في عيني قاتلها الأول..

حبسوها في السطح في غرفة مغلقة كالوباء، أصبت ترسم على جدران الغرفة، وتبكي، آثار الضرب تبدو رغم تماسكها ..

وفي الوقت المحدد جاؤوا ثلاثتهم .. الأب والأخ الأكبر وأخوها الصغير .. حمود، الطفل الصغير الذي طالما لعبت معه.. وقفوا أمامها.. ليطلق الأب إشارة لأخيها الصغير فيشهر مسدسًا في وجه أخته جاهلًا ما يفعل .. تبكي..

تقول: هيا حبيبي .. أنا أحبك كثيرًا .. هيا فلن أغضب منك.. أنت أخي العزيز ..

ويدوي صوت الطلقة في المكان ..

ويتناثر الدم على رسمها..

ليبدو الجدار كلوحة تبكي دما.

عن المسلسل السوري سيرة الحب- بتصرّف

No comments: