23 May, 2009

أين المصير؟


لا أذكر آخر مرة رأيتُ فيها وجهي كاملا، سليمًا، مللتُ من البثور التي تعيثُ فيه فسادًا، لا أدري لماذا يلحّ عليّ تشبيهها بقمل الرأس ! مع الفارق أنّها لا تزول بالنظافة أبدًا ! منذ المرحلة الثانوية بدأت رحلتي مع كريمات مضادة لحب الشباب، وما إلى هذه الأشياء، لم أترك شيئًا تقريبًا لم أجرّبه. الطبيعي والصناعي والطبّي. والنتيجة. أنني فعلا لا أذكر متى رأيتُ وجهي دون أيّة ذؤابات مترصدة بي في المرآة تجعلني أنظر بأسى، وأحوّل وجهة نظري إلى أيّ مكان آخر !

ما جعلني أتحدث عن هذا الأمر الآن بالتحديد أنّ الأمر وصل للذروة مؤخرًا، منذ عدة أشهر، وحتى بعد ممارسة الرياضة، لم يحدث أيّ تحسّن، وكنتُ أظن متوهمة أنها ستختفي بمجرد الانتظام في ممارسة التمرينات الرياضية. لكنني الآن عبارة عن بثور يمكنك بمزيد تركيز أن تلحظ وجهًا تحتها !

هل السبب هو أكواب الشاي والنسكافيه التي أستهلكها مؤخرًا ؟ لكنّ الأمر لم يبدأ مؤخرا فقط، هناك إشاعة تقول أنّ "البُنيّات" بما فيها الشوكولا ومحتويات الكافيين والكاكاو، وهذه الأشياء البنّي كلها ! تساعد على ظهور البثور، لكنّني متيقنة أنّ هناك وحش رابض أسفل بشرتي الدهنية لن يزول إلا بإزالة مصنع الزيت بأسفل جلدي ! عزائي أنّ البشرة الدهنية لا تشيـخ ولا تتجعد ! عندما عرفتُ هذه المعلومة مارستُ الارتياح ضد الخوف الأنثوي الطبيعي ضد التجاعيد ! وحش النساء الأوّل الذي تبدو أمامه البثور كالذباب على ظهر الفيل !

لم أكن في صغري راضية عن شكلي أبدًا، وحتى الثامنة عشرة تقريبًا، لم أكن أحبّني أبدًا، كنت دائمًا أحلم بالنموذج المثالي للجسد الجميل الرشيق، وأحاول أن أسعى له، وأفشل كثيرًا في الطريق وأكْـسَـلْ. موضوع إيمان الأخير، كيف تكونين سمراء وطموحة
جعلني أتوقف قليلا عند لحظات سابقة في حياتي دلّت على أن حريمنا لا رعاهم الله ولا بارك فيهم، لا يعجبهم العجب بالأصل، وليس شرطًا أن تكوني سمراء كي ينالك الاستهجان والحطّ من قدرك، فأنتِ في كلّ أحوالك سيئة، مالم تكوني ذكرًا !

أذكر أنّني طلبتُ من إحدى قريباتي وأنا صغيرة، ربما في الاعدادية، أن ترى إن كنتُ محسودة أم لا، وكانت تدّعي أنها تستطيع معرفة ذلك، بأن تمسح على ظهري وتتمتم ببعض الأدعية - كما تفعل - التي لم أسألها يومًا عنها، فقالت لي- وكانت في الخمسينات تقريبا، ربما أكثر-: على إيه يا حسرة ! لو أنّها قالتها لي الآن لسألتها عن مقصدها كي لا أفهمها كما فهمتها كما فهمتها حينها ! فهمتُ أنني غير جميلة ولا شيء بي جيّد يستحق أن أُحسَد عليه ! ربما لا يكون هذا مقصدها، لكنّ طريقتها في نطق الكلمة، ورغبتي الطفولية وقتها جعلتاني أريد تجربة الأمر وفقط لأصدم وأحزن أيامًا دون أن أقول لأحد! لم تكن هذه المرأة رشيقة ولا جميلة، ومنذ فترة رأيتها مريضة جدًا ولا تمشي دون عكّاز، وشعرت للحظة بالنشوة، وكأنني أقول لها: وعلى إيه يا حسرة؟ وأشعر وأنا أكتب الآن كأنني أعترف بسرّ شائن. ثم أقول. ليس ذنبي ! ولا ذنبي أيضًا أن يُقال لطفل: انت مش وِحِش ! هل يفترض به إذن أن يعود للمصنع الذي أَنْتَجَ فيه ذاتَه ليعيد إنتاج نفسَه كي يصبح جميلا ويرضى عنه الخَلْقْ ؟ كلا، ليس ذنبي، كما ليس ذنبها أيضًا.

ليس ذنب الموقد أنّ الذي يصنع القهوة أحول، أو أصمّ فلم ينتبه\ يستمع لزحف القهوة خارج الإناء فيتّسخ ! ليس ذنب الموقد أنّ من حوله أغبياء، وأنّ غباءهم ينضح عليه بالسوء ويؤذيه !

لا أذكر متى رضيتُ عن نفسي، ربما في الصف الثاني الثانوي، عندما اكتفيتُ من القراءة وبدأت في التطبيق، وبدأتُ بجدية معالجة ما لا يعجبني، متى اعتبرتُ أنّ شعري الغير ناعم ميزة لا عيبًا، يمكنني أن أجعله "كيرلي" دون جهد فأبدو كغجريّة، أو أمسده فيصبح ناعمًا كأنني ميريدث ذاتها ! باختلاف اللون طبعًا ! أقصّه أو أتركه طويلا، رغم أنّ النساء ما فتئن يقلن لي ألا أقصّ شعري، وألا أحاول أن أنقص وزني، لأنّ الرجال يحبون الشعر الطويل والجسم الممتلئ، وأقول لهم بإصرار فليذهبوا للجحيم - عدا البعض الذين أحترم- ، أنا أقصّه لأنني أحب الشعر القصير، وأريد أن أصبح نحيفة كي أرتدي ما أشاء، وأصبح رشيقة أمام نفسي !

ليستِ الفتيات السمراوات فقط هنّ اللاتي يتلقين الكلام السلبي في هذه البلاد، وكأنهم يعزّ عليهم أن حرّم الإسلام وأد الفتيات، فقاموا بوأد نفوسهنّ، وكأنّهم جميعًا أقسموا وتعهدوا عند كتابة وثيقة الزواج أن ينكّلوا بنفسيات البنات، وإشعارهنّ بالنقص من أيّ جهة. تخبرني صديقتي أنّها تحكي لأختها المتزوجة أنّها تنوي إكمال دراسات عليا، فتقول لها الأخيرة: دخلتِ في سكة العنوسة ! وأنا قال لي أحد أقربائي مرّة عندما قلتُ له أني سأكمل دراسات عليا، كفاية تعليم بقى ! ولم أسكت، قلتُ ماذا تريدني أن أفعل؟ أتزوج وأنجب وأموت؟ خلاص كلكم عملتوا كدا، أنا حغيّر بقى ! قال لي معك حق وسكت. ثم استطرد، بس دي سنة الحياة !


أيّة حياة هذه؟ وأيّة سنة هذه ؟ ومن الذي وضعها؟


ويا ليتهم ويا ليتهنّ بعد ذلك جلبوا لنا رجالا يعتمد عليهم، لا يرمون بكلّ شيء على المرأة حتى ينكسر ظهرها وتكون في النهاية مخطئة ومقصّرة ولا يحق لها أن تفتح فمها. يا ليتهم كانوا كرجال الجاهلية حتى ! كل ما تذكرتُ مقولة الرسول عليه السلام، وأنّ نصيحته الأخيرة قبل يلفظ أنفاسه: "استوصوا بالنساء خيرًا".. عرفتُ لماذا قال ذلك. وكأنه يعلم أنّ زمانًا بعده سيأتي، يدّعي الناس أنّهم يسيرون على نهجه، بينما كسروا كلّ القوارير، وما بقي من قوارير لم تُكسَر قالوا عنها أنّها بلا إحساس ولا دم، أو أنها جريئة و"عينها قوية" أو "بتفكّر" .. وكأن إعمال العقل جريمة لا تغتفر بالنسبة للمرأة ! وأنّ على كل النساء أن يشعرن شعورًا عميقًا داخليًا أنهنّ قاصرات وناقصات عقل ودين بالمعنى الذي يروق لأشباه الرجال أن يفهموه ويُقَهّموه لمن حولهم، ولو عرفوا مناسبة الحديث، ومكان وزمان إلقائه، لعرفوا أنّه مديح في حقّ النساء، لا إنقاصًا من شأنهنّ من أيّة وجه.


المقولة كانت يوم عيد، وكان الرسول عليه السلام مارًا على النساء، فسلّم عليهنّ، وقال لهنّ:"ما رأيتُ ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم منكنّ".. فإن كان من إنقاص لقدر أحد، فهو للرجل الحازم أنْ تُذْهِبَ لبّه امرأة !! ولمّا سألته النساء التوضيح، قال" أنّ نقصان الدين، أنّها تبقى أياما لا تصلي ولا تصوم، ونقصان العقل أنّ شهادتها تعدل نصف شهادة الرجل".. وليس كما هو مشهور عن بعض الـمتخلّفين أنّ معناه أن المرأة تفكّر بعاطفتها ولا تفكّر بعقلها !
- كان ناقص يقولوا بتفكر بصوباع رجلها الصغير ! - مثلا ! سأعذرهم لو قالوها !
فكبرت المرأة وهي تشعر بالخطأ إن فكّرت بعقلها دون عاطفتها ! يا إلهي انظروا كم هي قاسية القلب !


أذكر أنني قرأتُ في كتب الأدب العربي القديم، أنّ الشاعرة كانت تجلس في منتداها الأدبي الذي تعقده دوريًا، ويأتي الشعراء يتلون عليها قصائدهم، فتصحح لهذا وتعدّل لذاك، وكان الرجال يعتبرون الجارية - قبل انتهاء عهد الرقيق- رائعة وتستحق أن تشترى ولو اقترضوا لذلك، إذا كانت "بارعة في العلم والأدب"، أو "متكلّمة"، أو" تقول الشّعر"، "فصيحة".. لا يمنع هذا أنّ شعراء الجاهلية مدحوا في السمينة جدًا التي لا تكاد تستطيع الحركة لشدّة ثقل جسمها وترهّلها ! لكنّ شعراء ما بعد الإسلام كانوا يتغزلون في أجساد النساء الرشيقة كالغزلان ! ولا يمنع أنّهم كانوا يحبّون "التي تنشد الشّعر" أو "تعزف" أو ما كان يسمّى"القينات" ! وما يقابلهن هيفا ونانسي حاليًا ! مع الفارق الكبير جدًا بين الحضارتين !

أتساءل كيف قامت أمهات ذلك الزمان بتربية أبنائها وبناتها؟ كيف كان يتعامل الأب مع أبنائه؟ كيف كانوا يرتبطون ويتزوجون؟ كيف كانت المرأة الأرمل أو المطلقة لا تشعر بأنّها مذنبة، فتتزوج مرة أخرى بمن يفوق الأول مكانة وجاهًا، دون أيّة حساسيات شرقية، واعتبارات قشرية؟ كيف نشأت هند بنت عتبة؟

أتساءل أين ذهب أحفاد هؤلاء، الذين كانوا رجالا رجالا، وليسوا أشباه رجال؟

أتساءل، من الذي، في الواقع والحقيقة، يعيش في عصر الخيام؟ من الذي يحاصر رغبة شابين في أن يرتبطا لاعتبارات متخلفة مادية أو اجتماعية؟ من الذي يقول لامرأة كرهت زوجها وحياتها، ليس لكِ إلا منزلك، اصبري لأجل أطفالك، أيّة أطفال أسوياء يمكن أن ينشؤوا في بيت لا يحوي أبوين متحابين؟ إذا كان الأبوان المتحابين لا ينشأ أطفالهما أسوياء لمجرّد أنهما كذلك !!!! فما بالك بمن ليس كذلك ؟

أتساءل كثيرًا و ما من مجيب.

ذات مرّة قالت لي إحدى قريباتي تدعو لي، يارب يرزقك بواحد يبقى زي الخاتم باصبعك ! انفجرتُ فيها، وقلت لها لأ شكرًا عندي خواتم، أنا عايزة إنسان نتفاهم مع بعض ! ويبدو أن كلامي كان صعبًا عليها، فقالت: الله يرزقك بواحد تحبيه وتموتي فيه ويدوخك، ايه الدعوات المتنقية دي يا ربي !!

وعلى قد ما شفتهم بيربوا بناتهم ازاي! على قد ما عايزينهم يتزوجوا خواتم في الآخر !!!!!!!!!!!!!


إنا عككناكم ونريد أن نزيد عكّكّم عكًا !


يارب ارحمني وأسافر أعيش في الغرب - بلد الكفار والفسقة !!!!! - قبل ما مرارتي تنفقع، أقسم أنّني أعتقد أنّ الغرب لديهم رقيّ فكري - من النواحي التي أتحدث عنها تحديدًا - أكثر مما لدينا ! وأنّنا رغم الحضارة التي تبدو علينا، إلا أنّنا في الحقيقة ندّعيها، وأننا في الحقيقة نعيش في عصر خيام حقيقي أكثر من عصر الخيام التي كانت قبل ألف عام ونصف تقريبًا !


خلي حد ييجي يقول بقى الغرب اللي عاجبينك دول بيدوا مرتبات للستات أقل من الرجالة، وكلام من المحفوظ دا اللي بسمعه من اعدادي !


اللي بيحسد مصر بقى، بيحسدها على إيه يا حسرة ؟ - عشان أنا عايزة مصر تكبر وتتعقد أكثر ما هي متعقدة !!!-


وأخيرًا


أنا يا حبيبة مجهدٌ فوق السريرْ..
لا راحةٌ فوق السريرْ..
فخناجرٌ فوق السريرْ..
وقنابلُ فوق السريرْ..


فوق السرير جميع أسباب القلقْ
فوق السرير جميع حالات الأرقْ
لا شيءَ يذهب و حشتي
لا سورة الفرقان تذهب وحشتي
لا سورة الرحمن تذهب وحشتي
لا آلِ عمرانٍ و لا حتى الفلقْ..


أنا يا حبيبة ملّني وقع الزمانْ
وملّني وقع الدقائق و الثوانْ
ملّني و مللتُهُ روتينُ ديكورِ المكانْ


أنا يا حبيبة ضائعٌ بين السطورْ..
بين الكلام أرى فراغْ
بين الفواصل لكنةٌ لا تستساغْ
كلماتنا في الحب أضحتْ عادةً
الحب أصبح عادةً
والجنسُ أصبحَ عادةً
للعُهرِ صرنا قادةً


قولي إذًا أين المصيرْ؟؟!!..
أين المصيرْ؟؟!!..


من قصيدة لـ : مروان زهير البطوش


5 comments:

السنونو said...

تقريبا كلنا حصلت معه قصة أو اكتر تكره أى بنت فى عيشتها أنا لم اتولدت قالت إحدى عجائز العيلة لأمى ربنا يعوض عليكى لأنى كنت البكرية :) والحمد لله أن أبى يعشق البنات
مررت بفترات طويلة جداً بمثل ما حكيتى عنه إلا أننى توصلت منذ زمن لأتفاق داخلى وهو أن أحب نفسى لأنى استحق أن أحبها وهى تستحق أن أهتم بها ومن وقتها لا يهمنى أبدا راى أى اخر بى لأنى أحبنى كما أنا

الكلمة نور said...

اما وان الرجالة اللى هنا مش عاجبينك فعندك حق
لان الرجالة كما هو معلوم ماتوا فى الحرب
وعندك حق فى كل اللى قولتيه
بس عايز اقولك ان فى موريتانيا بيقعدوا يزغطوا البنات زى البط
اى والله زى البط عشان يتخنوا لان رجالة موريتانيا اللى ماماتوش فى الحرب بيحبوا ال ست التخينه
كلهم بلا استثناء
والعهدة على الجزيرة الوثائقية
انا باحكيلك الموضوع ده من باب اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته

Unknown said...

المصير بيد رب العالمين
وانسي مجتمعاتنا اللي بدها تنصب حالها محل الإله
وتقرر على كيفها مين بتتجوز ومين لأ!!!
شيء بيجلط جد!!!

Unknown said...

اقولك انا على حاجة ..
انا باعاني من عقليات الناس التعبانة دي من زمان جدا
و حظي مابيجيش غير عند الفئات ذات الاعاقات الذهنية
تعرفي
انا اعتبر عانس في عرف الشعب المصري :)
و صدقيني لو كلف الامر اني افضل من غير جواز
هافضل
بس مش هتجوز حد دماغه مسوسة و فيها دود
او مخه مليان تراب و مصدي
او ..
او..
او...
الزمن دة مافيهوش رجالة
في ذكور
مش رجالة
الراجل الحقيقي بيبقى راجل
يقدر على المسؤولية و يفهم الحياة ماشية ازاي
يعرف يفتح بيت
و الله يا بنتي النماذج المريضة ماتسرش
:)
و لا تبشر بأي حاجة كويسة
ماهو اصل دول .. تربية دول !!
هنعمل ايه طيب؟؟
:)

Alaa said...

يا إيمان ، لقد خلق الله البشر متساوين فى النعم التى وهبها الله لهم، فالمرأة التى وهبها الله جمالا تجدين عندها عيوبا ربما تكون معلومة لكل الناس ، و ربما تكون معروفة لمن يعاشرها فقط ، و هكذا كل البشر رجالا و نساء، فلربما السمراء الملئ وجهها بالبثور تكون خفيفة الظل ، ذكية ، مرحة ، نظيفة وربما الجميلة على عكس ذلك.
فالحمد لله على نعمه، والرضا هو كل الغنى وكل الجمال .
وبلاش أحكيلك على إبتلاءتى كرجل ، حتى لا أكون شاكيا الله معاذ الله .
تحياتى