07 May, 2009

! وسيفشلون

التفّ حولها الأطباء والممرضون كي ينقذوها من مرضها الخطير، والذي بات خطرًا على حياتها، كما يقول الأطباء. هناك شيء ما في دمها. لذلك سوف يجرون عمليّة لتغيير دمها بالكامل، بعد أن تأكدوا أنّ ذلك الشيء يسري في كلّ خليّة فيه. أفسحوا لها غرفة خاصّة في المشفى الكبير، وأهابوا بكبار أطباء المشفى أن يستعدوا لإجراء العملية دون خسائر. واجتمع من تبقى من أهلها يصّلون لأجل أن يشفي الله ابنتهم من مصابها. لم تصلح كل محاولاتهم السابقة لتنقية دمائها. ولم تصلح محاولاتها للحياة. مرّة بعد مرّة تفقد قواها وإذا بها محمولة إلى المنزل. والسبب، في كلّ مرة، نوبة إغماء حار في سببها الأطبّاء كثيرًا. حتى وصلوا بالصدفة إلى طبيب كبير جدًا في السنّ. أحد الناجين من الحرب الأخيرة، والتي تم فيها تصفية معظم البشر، وتحويل من تبقى منهم إلى آلات. عرف تشخيص مرضها بسهولة، قال لأقربائها: ابنتكم عاشقة. وتعجبوا. ماذا تعني يا طبيب؟

قال بتأثّر شديد وانفعال: بعد الحرب لم يعد أحد يصاب بهذه الأشياء. يا إلهي كلّ هذه الأشياء اختفت. نظر إلى العيون الحائرة أمامه، قال: سأشرح لكم. أصبح النّاس يتزوجون كي ينجبوا. وينجبوا كي يثبتوا فحولتهم وأنوثتهن على حدّ سواء. آه لن تفهموا. هل كانت ضمن تنظيم ما جعلها لا تصاب بما أصاب البقيّة؟

أخبرهم أنّ الحبّ كان لابدّ أن يجمع القلوب والألفةُ الأرواحَ قبل أن تجتمع الأجساد. وأنّ المحبّين لا يكتفون بالحديث الآلي. ولا يروي ظمأهم سوى لقاء العيون واحتواء الأكُفّ وتطابق الضلوع. وكانوا يبحثون تحقيق الرغبة في الاختفاء داخل أحضان الحبيب للأبد. وأنّهم، كانوا يرفضون أن يفصل الأطباء الأجهزة الطبية عن المريض مهما كان لأنّ مجرّد بقاءه حيًا يمنحهم شعورًا آخر كان يُطلق عليه الأمل. وهو تطلعهم إلى شفائه ورجوعه إليهم. ليس كما الآن. إن تعطلت أجهزة أحدهم قاموا فورًا بفصله من الحياة إجبارًا. ليجلبوا غيره بمواصفات أفضل.

وسألها عن عشيقها فقالت بوهن أنّه قُتِل في الحرب بين ذراعيها ومات على صدرها. وحَكَتْ لهم عنه كثيرًا. وكيف أنّها لا تقوى على البقاء على قيد الحياة دون وجوده على قيد الحضور القريب. وغفت. بينما كانوا يتطلّعون إلى دموعها بذهول. لم تفعلها أمامهم من قبل. لم تبكِ أمامهم من قبل. مدّ أحد أقربائها يده يمسح بعض دمعها بتعجّب، ويتأمله طويلا، وبتلقائية تذوقه. وجده مالحًا. سأل الطبيب بقلق آلي. فطمأنه ألا يخاف. ألقى نظرة على الفتاة البائسة التي غفت باكية. أخبرهم أنّ الحزن كان أحد المشاعر النبيلة التي كانت موجودة قبل الحرب. وكان من الطبيعي أن يحزن الشخص عندما يفقد الأشخاص الذين يحتلّون مكانة خاصّة لديه. وأن يبكي عندما يتذكرهم. ويفتقدهم.

تطلّعوا إلى الطبيب وعلى وجوههم تبدو محاولات فاشلة لفهم ما يقول، وكأنّه يحكي قصصًا خياليّة. جاءت إحدى الممرضات فجأة بعين لامعة بالدمع. همست للطبيب العجوز ببضع كلمات. فاستأذن على عجل. مرّر يده على جبين الفتاة الراقدة على السرير الأبيض. همس في أذنها بخفوت شديد لم يسمعه أحد: لو أنّ الأمر بيدي لحميتك. لكنني مُطارَد يا ابنتي. لا تدعيهم يُبدّلوا دَمَكِ. لا تسمحي لهم بذلك. اعشقيه حتى النخاع. أو ارحلي إليه.


تمت


10 comments:

السنونو said...

أبكيتينى ..

هانى زينهم said...

اعشقيه حتى النخاع. أو ارحلي إليه
ملخص يوحع لاى حالة عشق حقيقى تفرق طرفاه . بجد يا ايمان البوست ده رائع ومش هيحس بيه الا اللى جرب النوع ده من الحب . عمرى ما جيت هنا وندمت على الوقت الطويل اللى باقضيه .

77Math. said...

السنونو

ايه دا هو انتِ من الناس القديمة ؟:(

معلش أنا آسفة. بس كويس إنك حسيتِ بي.

77Math. said...

هاني

كنت عايزة يبقى التركيز على حالة العشق مساوي للتركيز على الآلية التي حدثت للبشر.. هل وصلك ذلك ؟

yoyo said...

صباحك سكر

بجد انا سعيدة جدا جدا بزيارتك لمدونتى
وسعيدة اكتر بزيارتى لمدونتك واللى مش هتكون الاخيرة ان شاء الله

بصراحة انا قريت البوست اكثر من مرة
اعتقد ان قمة الحب ان يكون الحب يسرى كمجرى الدم فى الانسان
كيف لها ان تحيا وقد توقف قلبها عن ضخ الحب ؟!
كيف لها ان تحيا وقد انتهت بداخلها همسات العشق؟!
كيف وقد هدمت قصور القلب
و تحولت جنة العمر الى صحراء قاتمة شاحبة
لا حياة فيها ولا أمل ؟!!
قد يكون الملاذ ان تحيا على ذكرى خالدة بداخلها او ترحل اليه بسلام
هناك حيث تجد دنياها بين راحتيه

تحياتى لقلمك المبدع
يويو

77Math. said...

yoyo

الله يسعد صباحك

لديكِ موهبة جيّدة تحتاج للصقل :)


تحياتي لكِ
:)

Ehab said...

متصدقوش
كلام وضحك على الدقون
ده حوار وقالوا زمان عليه
قال بعد مش عارف كام سنه
راحوا يلغوا منا السهتنه
الحب يعني يا جدع
والناس هتبقى كما الحجر
لا يحبوا بعض
لا يحسوا بعض
ولا حتى يوم هيبوسوا بعض
مين قال كده
ده مستحيل
عارفين يا حلوين السبب
علشان دي فطره في البشر
رغم الهبل
المستاصل في البشر
الكل لازم جوه منه تلاقي حب
استنوا لحظه بلاش هبل
مش كل حب بيكون بريء
مش كل احساس بالحياه يبقى جميل
في حب اوسخ من الكلاب
في حب اشرس من الذئاب
في حب اصله مصلحه
في حب اصله الأحتياج
انا ليا صاحب من الصحاب
من عيله واطيه كما الكلاب
ابوه حرامي وامه برده مجرمه
والعيله كلها مذنبه
بينهم في حب
ليه العجب
وليه صاحب برده غيره
من عيله حلوه مثقفه
لكنهم باردين قوي
ناس شاربه عالريق كيلوا نشا
لكنهم بيحبوا بعض
وده شيء يخض
مفيش حياه من غير مشاعر كلها
دي حاجه مفطورين بها
جايز هيبقى الحب مش حلو قوي
لكنه غصب عننا
لازم هيفضل وسطنا
======================


جامده القصه وفيها فكره حلوه وعجبتني قوي قوي النهايه

تسلم ايدك
سلاااااااااااااااااااااااااام

77Math. said...

وااااااو

دا شِعرك ؟

بجد تحفة، مع إني بحب الفصحى كثير بس حلو بجد


شكرًا لك :)

الجواز و سنينه said...

ماس 77
هو انا مش عارفه برضوا ليه 77 جنب الماس يعنى الرياضه
المهم و ندخل فى الموضوع
انا ماشوفتش البطاقه إلا دلوقت رغم انى دخلت كذا مره بعدها
عجبتنى البطاقه اوى
و عجبتنى القصه اللى انتى كتباها اوى
خصوصا النهايه
يمكن علشان مالهاش حلول رمادى
يا تحبه يا ترحل
و انا زى ما قلت بحب الوضوح
و يمكن دى فعلا شخصيتى
تحياتى

TamaTem said...

جميلة جدا يا إيمان،
مش هتصدقي بس فعلا عجبتني لدرجة أني قررت أعلق رغم إني عارفة إن تعليقي ده مش مستفز
:(
؛)