29 December, 2008

مـيـلاد جديـد


كثيرًا ما تمنيتُ أن أعمل سائقة سيارة أجرة، سائقة تاكسي أتجول في أنحاء المدينة أُقِلّ أشخاصًا لا أعرفهم ولا يعرفونني، أعرف مرّة أين يعيشون ومع من يتنقلون .. رغم أنني ربما لا أراهم بعدها أبدًا..

فقط أقود السيارة وأستمع لمطربي المفضّل


إحدى متعي السريّة في الحياة، القيادة في شارع البحر، أو ركوب تاكسي يمشي صاحبه بسرعة أمام البحر، وكأنه يهرب من طوفان قادم ! والتحديق في الفراغ بينما لفحة الهواء البارد تصفعني بلطف ! .. أتمنى دائمًا ألا ينتهي الشارع أبدًا .. أو أنّ منزلي يقع في نهااااية الشارع .. حيث تطول المسافة المستقيمة أكثر ما يمكنها أن تطول !


لو أنّ الأمر بيدي .. لأقمتُ يومًا نفعل فيه ما لا نستطيع فعله باقي الأيام لأيّ سبب كان، من تريد أن تزور حبيبها في السّجن، من يريد أن يذهب ليرى طفلته الصغيرة ويخرج معها دون أن تقف طليقته في وجهه.. من يريد أن يمارس الغوص في أعماق البحر لكنّه لم يفعل لسبب أو لآخر..

من يريد أن يُغنّي، أو من تحب أن ترقص ليوم واحد .. نعود بعده إلى حياتنا كما هي .. هل ستتغير حياتنا ؟ هل سنولد مرّة أخرى؟ هل ستصاب أرواحنا بالبهجة، وكأننا قمنا من حلم جميل لكن تأثيره لم يزل من نفوسنا ؟


في المرة الوحيدة التي ذهبتُ فيها وحدي لتناول صحن السلاطة في ليتل سيزر قبل عدة أسابيع، كنتُ أريد بشدّة أن أهاتفه لأطلب منه أن يأتي معي، كنتُ على استعداد لأن أذهب إليه حيث يعمل وأعرض عليه الأمر.. لا أجد أحدًا يذهب معي، هل يمكنك المجيء؟ فقط نتحدث .. إن أردت أن تتحدث سأستمع .. أو أتحدث أنا وتستمتع .. لو أردت أن تتناول شيئًا ما .. هل لديك وقت؟

ليت الأمر بهذه السهولة .. بالطبع لم أفعل شيئًا .. هل هذا ما يطلقون عليه اسم العقل ؟ أم معامل الاحتكاك بالواقع !؟


الجميل أن بداية السنة الجديدة هي كعيد ميلاد لجميع الخلق تقريبًا .. حتى وإن كنت قد احتفلت بعيد مولدك توًا، فبدء سنة جديدة حكاية أخرى .. تقليب لأحداث صارت في سنة كاملة .. نتذكر ما يمكن أن يجلب لنا ابتسامة ونتجاهل ما قد ينذر بعواقب وخيمة ..

1430 – مجرد رقم يزيد في الأوراق ..جثث أكثر لإشباع بطن الأرض النهمة، حزن أكثر، دموع أكثر، ولا أحد يلتفت للعداد.. نحن فقط نقوم بالاستهلاك!

لستُ من المؤمنين أنّ العالَم سيغدو أفضل، أو أنّ الأوضاع ستتحسّن، وأنّنا يمكن أن نصحو يومًا، أو يصحو أحفاد هذا الجيل على مصر أكثر طهرًا وجمالا وسلامًا وأمْنًا .. وعلى وطن عربي نظيف من وحوش مستعرة تلتهم كل خيراته ولا تترك للشعوب سوى الفتات .. وكأنها تمنّ عليها ببقائهم في ملكيتهم الخاصّة ! أوعلى قطاع غزة لا تستطيع أن تفرّق بينه وبين دبيّ، أو تختفي مشاكل تسبقها كلمة لبنان ..

ولستُ من المؤمنين بأن لهذا السواد نهاية، وأنّنا نعيش كابوسًا يومًا ما ستصحو الأرض منه.. وأن تختفي الآلات التي تدّعي البشرية وتفتك ببشر يدّعون أنهم لاحول لهم ولا قوة ..

أنا أؤمن أننا من سيء إلى أسوأ .. وأخشى أن أرى أكثر

ولا أريد أن أرى أكثر

وأشعر أن: كل عام وأنتم بخير كلمة سمجة ثقيلة لا معنى لها .. كلمة من كثر ما استهلكت لم تعد تعبّر عن شيء، بل ربما لا تعني سوى كل شرّ، لأن الخير لو عمّ هذا العام فماذا نتبادل من كلمات في العام القادم ؟

أتعني "كل عام وأنتم بخير" شيئًا إلا أننا كنّا في شرّ؟

لأنّ الشيء المؤكد أن مدلولها أبدًا لا يبدو كدعوة استمرار لـ"خير" موجود فعلا !

لذلك .. عام جديد .. بلا أية تهنئة

2 comments:

ابن المليونير said...

يبدو أننا فى الأيام الأخيرة للعالم، صراعات و حروب وأمراض وأوبئة و مجاعات و فقر و جوع ، وكأننا قد عدنا إلى العالم البدائى ، عالم ما قبل الحضارة.

كل شئ يبدأ و ينتهى كما بدأ،الارض بدأت خربه و هى الآن فى طريقها للزوال، الإنسان خُلق لا يعرف شيئا ً و هو الآن رغم كل التطور والحداثة لا يعرف كيف تحدث كل هذة الكوارث .

ما الذى نجنيه من تلك الحياة غير الألم و الخوف و الحسره ، كيف نساعد كل هؤلاء ، أننكفي على ذواتنا و نكتفي، وإن كنا بخير كيف نستلذه و العالم من حولنا يئن ، الا يعنى هذا منتهى الانانية و الشر


كل عام وأنت أيهاالعالم شرير كما كنت دائماً

77Math. said...

ابن المليونير


نحن لا نجني شيئًا .. كأننا داخل دائرة، نختلف أسماء وأشكالا ووظائفا لكننا نؤدي نفس الضريبة

لا جديد .. حتى ما نريد أن نصنعه لا نستطيع فعله

نحن حتى لا نستطيع مساعدة أنفسنا كما ينبغي

نعم .. كل عام والعالم كما هو ..

لأنه منذ زمن بعيد لم يتغير .. ولم تفلح أمنياتنا بجلب الجديد

تحياتي لك ، وشكرا لمتابعتك
:)