09 December, 2008

تأمُّلات مُتأخِّرة.. في الحبّ

سأظلُّ أطالب بإغلاق معسكرات الاعتقال العاطفـيِّ، التي يقبع في زنزانتها عشّاق سُذّج، تصوّروا الحياة العاطفيّة بثوابت أزليّة، وذهبوا ضحيّة هَوَسِهِم بعبارة "إلى الأبــــد"، معتقدين أنّ كلَّ حُبٍّ هو الْحُبُّ الكبير والأخير، فوقعوا في براثن حبٍّ مُسيَّج بالغيرة وأسلاك الشكوك الشائكة، ومُفخّخ بأجهزة الإنذار ونقاط التفتيش، غير مُدركين أنّ الحُبّ، على الرغم من كونه امتهاناً للعبوديّــة، هو تمرين يوميّ على الحرّية، أي على قدرتنا على الاستغناء عن الآخر، حتى لو اقتضى الأمر بقاءنا أحياناً عاطلين عن الحبّ.

نزار قبّاني الذي قال في الحب الشيء وعكسه، لفرط ما عاش تطرّف الحبّ وتقلّباته، كتب يقول: "أريد أنْ أظلّ دائماً نحلة تلحس العسل عن أصابع قدميك، حتى لا أبقى عاطلاً عن العمل!".
ثمَّة عشّاق لا أمل في إنقاذهم من العبوديّة. إنهم يصرُّون على العمل خَدَمَاً لدى مولاهم الحبّ، على الرغم من كونه طاعناً في التنكيل بِخَدَمِهِ!


هو الْحُــبّ..
وماركيز ينصحك: "لا تمت من دون أن تُجرِّب جَمَال حمل عبئه".
تضحك، هو لا يدري أنّ حمولتك تلك، قصمت ظهر أيامك• في البدء، يحملك الحبُّ لفرط خفّتك، ولا أحد آنذاك يُنبِّهك بأن عليك أن تحمله بعد ذلك بقيّة عمرك.. في البدء، أنت فراشة.. كائن من غبار وطيش، تحملك بهجتك، ثمّ تنتهي دابّة تنوء بحمل خيباتها.
يا حمّال الأسيّة "خُذ من الحب ما تشاء، وخذ بقدره من عذاب"، نصيحة من "عتّال عاطفيّ" أقعدته الذكريات!

***

* الفرح ثرثار. أمّا الحزن فلا تستطيع أن تقيم معه حواراً.
إنه منغلق على نفسه كمحار.
بلى.. في إمكانك إغاظة الحزن بالفرح.
تكلّم ولو مع ورقة.

***

* كلّما رأيت من حولي نساءً في كامل انتظارهنّ، يشكون البطالة العاطفيّة، ورجالاً أعياهم الترقُّب لبرق ينذر بصاعقة عشقيّة، وقصّة حب "أبديّة"، حضرني قول جون كيندي: "لا تسأل ماذا يمكن لوطنك أن يفعل لك، بل ماذا عليك أن تفعل من أجله".

بالمنطق نفسه، على العاطلين عن الحبّ أن يسألوا ماذا عليهم أن يفعلوا من أجل الفوز به. فلا يمكن طلب الحب بالتكلفة الأقل. الحب إغداق، إنه يحتاج إلى سخاء عاطفيٍّ يتجاوز قدرة الناس العاديين على الإنفاق. لذا، الحبُّ فضّاح لِمَن دونه، لأنّه يُعرِّي البخلاء، حتى الذين يعتقدون أنهم أعطوا.. لمجرّد أنهم أنفقوا عليه!

***

*غادِر بيتك كل صباح، وكأنك على موعد مع الحب.

تهيأ له بما أُوتيت من أناقة• يحلو للحب أن يُباغتك في اللحظة التي تتوقّعها الأقل:

"وجدتها
في وقت لم أُنادِها فيه
فوق محطّة لم أنتظرها عليها
في لحظة لم أتهيأ لقدومها
في مكان لم أبحث فيه عنها
في مساء لم أُعطِّره لاستقبالها
في بقعة أرض لم تكن مهيأة لها".


أحلام مستغانمي

3 comments:

الرسام الواقعي said...

"غير مُدركين أنّ الحُبّ، على الرغم من كونه امتهاناً للعبوديّــة، هو تمرين يوميّ على الحرّية، أي على قدرتنا على الاستغناء عن الآخر، حتى لو اقتضى الأمر بقاءنا أحياناً عاطلين عن الحبّ"
زي ما تكون بتكتبني..
فعلا هو تمرين يومي علي الإستغناء..لكن الإستغناء بدون سبب في رأيي إستغباء!.
أعتقد أن الإستغناء أحيانا يكون واجب..عندما يكون الحب أو المشاعر ضد مبادئ العقل أو يكون الحب إمتلاك.
لكن-في رأيي-الحب في حد ذاته قمة الغناء..كونه زهد في الحياة(الحب الحقيقي).
بالنسبة إلي أزلية الحب:أنا أري أن الحب ليس أزلي..الأزلية وهم نصنعه بإعتقادنا.
أعتقد أن الإنسان -في الحياة-في حالة صراع فكري تجاه اسرارها..وبسبب ضعفنا تجاه المواجه بنتجه للخيال..نصنع الحياة اللي نحب نعشها..
وبسبب قوة عاطفة الحب(إللي هيه حقيقه مش خيال) وبسبب ضعف الإنسان تجاه أسرار الطبيعة وتفسرها..فيعيش الحب بعاطفته وعقله معا..فيصبح العقل مسخر لمتطلبات العاطفة.
أعتقد لهذا السبب الإنسان يحب أن يعيش أزلية الحب(لأن عقله مغيب).
ولأن الإنسان بطبيعته حر ينقلب علي هذا السجن مع الوقت.
فعلا الحب شئ عظيم..جميل أنك تعيش الحب بكل ما فيه..لكن الأجمل إنك تعيشه وتعيش الحياة معا.
لا يكون الحب عماء أو هروب..بل يكون قوة دافعة لإثبات إنسانية الأنسان والحقيقة..عندما يقع الإنسان في الحيرة والشك يأتي دور الحب لان العقل هنا معطل فتكون العاطفه الحقيقة مرشد الإنسان للصواب.
لذلك أري أن كلما زادت قدرة الإنسان علي جعل الحب حب من أجل الحب بعيدا عن الإمتلاك..كلما كان حرا ..وكلما كان حرا ..كلما كان اكثر قدرة علي أن يكون إنسان بكل ما تحتويه الكلمة من معني..
وليست حرية الحب الحرية في الإستغناء بدون أسباب

77Math. said...

الرسام الواقعي


كلامك صحيح .. وأعتقد أن أحلام في مقالتها لم تعنِ سوى بوهميّة الأزلية ...

بدليل حديثها عمّا يمكن أن نقدم للحب، كي ننعم بما يقدمه لنا ..

"فلا يمكن طلب الحب بالتكلفة الأقل. الحب إغداق، إنه يحتاج إلى سخاء عاطفيٍّ يتجاوز قدرة الناس العاديين على الإنفاق. لذا، الحبُّ فضّاح لِمَن دونه، لأنّه يُعرِّي البخلاء، حتى الذين يعتقدون أنهم أعطوا.. لمجرّد أنهم أنفقوا عليه!"


تحياتي ، ومبروك على البلوج :)

الرسام الواقعي said...

الله يبارك فيكي..أتمني تنورينا