11 November, 2008

إحدى عشرة دقيقة

إحدى عشرة دقيقة
رواية لـ باولو كويلو تستند على أحداث حقيقية تمامًا


مـاريـا .. بطلة القصة، تنشأ في أسرة فقيرة مكونة من أب وأم فقط ! تتذوق معنى الحب لأول مرة تجاه زميلها في المدرسة والذي كان رفيقًا لها في طريق الذهاب إلى المدرسة، هذه العشر دقائق فقط كانت الأجمل بالنسبة لها على مدار العام.



جَبُنَتْ لأول مرة، عندما طلب منها مرّة قلمًا ولم تُعِرْه اهتمامًا، عرفت بعدها كيف يمكن أن تضيع الفُرَص في الحياة .. وكيف كان عليها أن تستغلّ الفرصة لتتحدث إليه وتعرفه



بعد عطلة نهاية العام .. عادت إلى المدرسة وكلّها أمل للقياه .. لكنّهم قالوا لها أنّه ذهب بعيدًا !



عندئذ أدركت ماريا أن ليس هناك ما يمنع من أن نفقد بعض الأشياء إلى الأبد ، وعلمت أيضًا أن هناك مكانًا يدعى " بعيدًا " وأنّ العالم واسع ومدينتها صغيرة. وأنّ الكائنات الأهم يؤول بها الأمر إلى الرحيل دومًا.



ماريا .. فتاة مختلفة .. تنظر إلى الأشياء بمنظور مختلف .. فتاة بفلسفة حياتية مختلفة .. تسافر لأنها تحب المغامرة .. وتمارس الفجور لأجل المال، رغم وجود فرص العمل المختلفة، لكنّها تختار هذه المهنة وتقوم بفلسفة حكايتها،( أو بحكاية فلسفتها ) عن الحب والجنس ..



تقول ماريا:

تحت تأثير الشغف، نتوقف عن الطعام والنوم والعمل وتكف حمائم السلام عن التحليق فوقنا. ثمة ناس كثيرون يخافون من الشغف، لأنه يدمر فى طريقه كل ما يتعلق بالماضي



وأثناء حوارها مع حبيبها .. الرسام الذي تقابله مصادفة ! - لأنّ الحب لا يأتي إلا مصادفة .. ولا نكتشف أننا قد عشقنا حتى النخاع إلا فجأة !- يحكي لها حبيبها:



كان الماركيز دو ساد يقول أن التجارب الأهم التى يختبرها فى حياته هى تلك التى يبلغ فيها المرء آخر المطاف. وهي التي تعلمنا لأنها تستنفذ منا كامل طاقتنا. إن رب العمل الذى يهين موظفا، أو الرجل الذى يهين زوجته، هما على درجة عالية من الجبن، أو يسعيان للانتقام من الحياة. إنّ مثل هؤلاء الناس لم يجرؤوا يومًا على النظر إلى أعماق أنفسهم.

لم يسعوا ليعرفوا من أين تأتى الرغبة فى التحرر من الوحش الكامن في داخلهم، ولا ليدركوا أن الجنس والألم والحب تمثل للإنسان تجارب قصوى. وحده الذى يعرف إقامة الحدود يعرف معنى الحياة. ليست البقية إلا مضيعة للوقت وتكرارًا للمسار نفسه. نشيخ ونموت دون أن نعرف ماذا كنا نفعل على هذه البسيطة.


ومن الجمل التي أعجبتني جدًا ..

ليس ضرورياً أن نعرف شياطيننا لكي نلقى الله.



يقول أيضًا – باولو- :

عما قريب سينهون دروسهم، ويبدأ ما يرون أنه " الحياة الحقيقية " العمل، الزواج، الأطفال، الرتابة، المرارة، الشيخوخة، الشعور الهائل بالخسارة، الحرمان، المرض، العجز، التبعية، الوحدة، وأخيرًا الموت.



ما الذي يجعلنا نقع في الحبّ ؟ ونستعد للتضحية بكلّ شيء في سبيل البقاء بجوار من نحبّ ؟ قبل يومين شاهدتُ فيلم The Women .. تقول فيه "سيلفي" لصديقتها في لقاء لهما بعد فترة من الخصام: نحن في القرن الواحد والعشرين، من حقّنا أن نناضل من أجل الحفاظ على من نحبّ، الأشخاص الجيدون قليلون جدًا .. تقولها وهي تبكي .. شيء بهذا المعنى .. لا يمكنك أن تتخلى عن حب كبير لأسباب صغيرة..

عودة لماريا...


كانت تبحث فى هذه اللحظة عن سبب وجودها، أو بالأحرى عن هذه التضحية المجنونة بالنفس التي تمنح من خلالها قلوبنا دون أن نطلب شيئا بالمقابل.


حبيبها .. كان مجنونًا.. فيلسوفًا.. مختلفًا، مثلها ..


ظل ينظر إلى المرأة الجميلة الواقفة أمامه، والتي ترتدي الأسود الخفر، المرأة التي التقاها مصادفة مع أنه رآها من قبل فى حانة ليلية، فأدرك أنها صعبة المراس. كانت تسأله إن كان يرغب فيها، وهو يرغب فيها كثيرًا، أكثر مما تستطيع أن تتصور. لكنه لا يرغب في نهديها أو جسدها، بل في رفقتها. كان يكفيه أن يضمها بين ذراعيه، وهو يتأمل النار بصمت، أو يشرب النبيذ، أو يدخن سيجارة أو اثنتين.


وعن حريّة الحب .. كيف تفكّر ماريا ؟ و كم هي محقّة !

رغبت فى أن تقول له أنها تحبه. لكنها لم تفعل، لأن هذا قادر على إفساد كل شئ، وعلى إخافة الرجل الذي تحبه. كما خشيت عليه من أن يقول لها أنه يحبها هو أيضاً. لم تكن ماريا تريد ذلك، إنّ حرية حبها تتمثل في ألا تطلب شيئا من حبيبها، وألا تحفل بما ينتظرها.



وعن الألم .. قال حبيبها مرّة ..

كلنا بشر، وجميعنا يرافقنا الإحساس بالذنب منذ ولادتنا، نخاف عندما نشعر أن السعادة باتت فى متناول أيدينا. ويداهمنا الموت ونحن لا نزال نرغب فى أن نعاقب الآخرين، لأننا نشعر أننا عاجزون باستمرار، مظلومون، تعساء. أليس تكفير المرء عن خطاياه. وقدرته على معاقبة الخطاه. أمرًا لذيذًا؟ أجل، هذا رائع.


ويقول:

عانيتِ الألم البارحة، واكتشفت أنه يقودك إلى اللذة. وعانيته اليوم وشعرتِ أنك وجدت السلام. لذا أقول لك، لا تتعوديه، إنه مخدّر خطير ندمته. إنه يواكبنا في حياتنا اليومية وفي عذابنا الخفي، في استسلامنا وفي انهيار أحلامنا، لكننا نحمل الحب مسؤولية الألم على الدوام. الألم مخيف عندما يكشف عن وجهه الحقيقى، لكنه ساحر عندما يكون تعبيرًا عن التضحية أو التخلي عن الذات أو الجبن. يستطيع الكائن البشرى أن يتجنب الألم، كما يستطيع أن يجعله ملاذه الأمين، ويسعى لأن يجعله جزءًا من حياته.


وتقول:

ثمة أشياء لا يمكن تقاسمها مع أحد، وتبقى ملكنا وحدنا، وهي سر حريتنا، يجب ألا نخاف من المحيطات التي اخترنا الغوص فيها بكامل إرادتنا، لأن الخوف يفسد اللعبة كلها، والإنسان يواجه الجحيم مرات عدة ليدرك هذه الحقيقة. لنحب بعضنا بعضًا، لكن لنتخل عن سعينا المتداول لامتلاك بعضنا لبعض.


وتقول:

أجل، أحبك كما لم أحب رجلا من قبل. ولهذا السبب بالضبط أرحل. لو بقيت لصار حلمي واقعا بليدًا، وتحول حبي إلى رغبة في امتلاك حياتك ... أي أنني أتخلي عن كل هذه الأشياء التي تحول الحب إلى عبودية، الإبقاء على الحلم هو أفضل أمنية لدي، يجب أن تعتني بكل لحظة سعادة حصلنا عليها من بلد زرناه، أو هبة وهبتها الحياة لنا.



ولنر فلسفتها .. بعد أن سافر لها حبيبها ليقابلها في المطار .. لأنه اكتشف أيضًا أنه عاشق ! وتكتشف هي أنّه فعل كما في الأفلام .. رغم أنّها لم تتخيل أبدًا أن تنتهي قصّة حبها نهاية "كالأفلام!"..


لا تعرف إن كان ذلك يكلفنا أم لا، ولا تريد أن تفكر فى أي " سحر " لأن هذا آخر همّ لديها، تعرف فقط أنها التقت هذا الرجل، وأنهما مارسا الحب للمرة الأولى منذ ساعات، وأنّه قدمها لأصدقائه الليلة الفائتة، وتعرف أيضًا أنّه تردد إلى الحانة الليلة حيث كانت تعمل، وأنّه تزوج مرتين. وأنه ليس منزهًا عن كل عيب. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، صار لديها المال لتشتري مزرعة، وهي لا تزال فى مقتبل العمر. أمامها المستقبل، وخلفها تجربة كبيرة فى الحياة وإحساس قوي بالاستقلالية. رغم كل ذلك، فإن القدر يختار عنها وبإمكانها المجازفة من جديد..


لماذا أكتب عن هذه الرواية ؟ هل لأنني شعرتُ أن ماريا تشبهني؟


ربما .. في كثرة تساؤلاتها .. وتحليلاتها اللا نهائية .. لكنّ نهايتها أسعد بالتأكيد.!

No comments: