لعلك تذكر أننا جميعاً عندما نسير على شاطئ البحر، فإننا ننحني ونلتقط حجراً ونرمي به البحر.. لماذا؟
لأن البحر وموجه واتساعه وعمقه يجعلنا نشعر بأننا صغار.. وفي نفس الوقت، لأننا على الشاطئ، فنحن آمنون منه.. ولذلك نعبر ـ لا شعورياً ـ عن خوفنا بأن نلتقط حجراً ونرميه به.. ويكون في ذلك شعور بالارتياح لأننا ضربنا البحر، ولم يستطع البحر أن يفعل بنا شيئاً!
ولكننا لم نقاوم هذه الرغبة في أن نرميه بحجر! ولا أزال أذكر يوم سافرت من طوكيو إلى لوس أنجليس عبر جزر هاواي والمحيط الهادئ.. أول شيء فعلته عندما هبطت من الطائرة أن أسرعت إلى داخل سيارة.. إلى الفندق.. إلى غرفتي.. ونزلت بسرعة.. الآن أتذكر بوضوح ماذا فعلت ولماذا سرت في الشارع ومن دون تفكير أحسست بالإرهاق فاخترت سيارة كاديلاك.. وجلست على رفرفها ولم ألاحظ أنه مبلل بالزيت والشحم.
أما سبب الجلوس وبهذه السرعة ومن دون التفات إلى قذارة السيارة، فهو شعور مفاجئ بالتعب، وسبب هذا الشعور هو إحساس بأنني صغير والمدينة كبيرة، وإنني ضئيل جداً في هذه المدينة الواسعة والدولة الغنية القوية.. ومن دون شعور مني رحت أدق بيدي على أبوابها، ولم يكن هناك أي سبب لذلك.. إلا شعوري بأنني صغير ضئيل وشعرت بالضياع في هذا البلد الكبير الواسع الجميل، الذي لا يدري بي ولا ما الذي في دماغي ولا أحلامي ولا خيالي ولا مخاوفي.. وطبيعي ألا يشعر، وألا يشعر أي أحد.. ولكني أستجيب لما في داخلي من شعور بالضياع وعدم التوازن.
شيء عجيب أن انحني على الأرض، وأجد عوداً من الحديد أمسكه في يدي وأتوكأ عليه.. مع أنه لا داعي لذلك.
ولكن المعنى هو: إنه في مواجهة الكبير والضخم والقوي والشاسع، يشعر الإنسان بعدم الأمان فيحاول أن يتساند على الجدران ويتوكأ على أعمدة النور.
شيء من ذلك يحدث لكل الوافدين من الريف إلى القاهرة.. وهذه هي أول نقطة ضعف ينقض عليها الشطار الإرهابيون الذين يتصيدون الأعوان من الخائفين والجائعين البائسين.
No comments:
Post a Comment