الأجدى أن يكون للتنمية البشرية اسمٌ آخر هو "التنمية الذاتية"، لأنَّ الإنسانَ لا يتغيَّر إلا إذا أراد ذلك حقًا، صحيحٌ أنَّ البَشَر قد يتّبعون شخصًا ما إذا كانَت به صفات القائد، قرأتُ أنَّ معظم البشر يخشون اتخاذ قراراتٍ حاسمة في الأوقات الصعبة ويميلون لاتِّباعِ إرشادات أحَدِهم عنْ أنْ يقرّروا بأنفسهم، ولا أدري إنْ كانت هذه دلالة على أنَّ رهبة المسؤولية شيءٌ عميق متأصِّل في الإنسان، أمَّ أنّه نتيجة توقّف التفكير السليم نتيجة المواقف الصادمة عندما تأتي فجأة.
عودةً إلى التنمية الذاتيَّة، يقول أحدهم: "إذا أسأت إليَّ مَرَّة فأنت مخطئ، إذا أسأتَ إليَّ مرَّتين فأنا المخطئ".. أو كما قال الرسول الكريم: "لا يُلدغُ مؤمن من جُحْرٍ مرَّتين"، والمؤمن هنا لا يعني – برأيي – الصائم القائم، وإنَّما مؤمن القلبِ سليم الطويَّة نَقِيَّ الخاطر ذو الحِجَا.
وذو الحِجَا هو الذي يملك العقل والفِطْنَة.. هو الذي يتعلّمُ من كُلِّ موقفٍ يمرُّ به، ولا يسمحُ لما جرحه في السابق أنْ يُعيدَ أذيّته مرة أخرى، ويستطيع التوصّل إلى سلام نفسيّ مع نفسِه وتوحّدٍ مع ذاته، فكلّما قَلَّ التناقض بين ذاتِك الداخلية، وبين ذاتِك الاجتماعية قَلَّت المشاكل كثيرًا.
وذاتك الداخلية هي أفكارك، تساؤلاتك الحائرة والدقيقة، تأملاتك الأثيرة وحواراتك الخاصَّة جدًا مع نفسِك، والتي لا يطَّلِع عليها سواك، ولا تُشاركْها مع أحد أبدًا، والتي تحاول أحيانًا – أو لا تحاول – غربلتها ذات وقت فراغ لترى ما يصلح منه للمشاركة مع شريك حياتك، وأيُّها لا يصلح. وتتساءل إنْ كان الانفتاح الكُليُّ حتمًا وضرورة أم خيارًا بحسب الظروف.
وذاتك الاجتماعية هي أنتَ مع النَّاس، الناس الحقيقيون الذين تتفاعل معهم، وتتبادل معهم الأوراق النقدية وتجلس معهم لتتحدث لتتفق أوتختلف معهم، النَّاس الذين تمرض وتصحو وسطهم، الذين تعطس بينهم فيقولون لك: يرحمك الله، لا الذين تتحدث إليهم عبر أروقة الانترنت وتقوم بالإعجاب بأطروحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ."أكره هذا التعبير، لكن لا يحضرني غيره الآن".
كُلَّما قلّ هذا التناقض بين الاثنين، كلّما استطعت الوصول إلى السلام النفسيّ المنشود بينك وبين نفسك من جهة، وبينك وبين العالَم، وانسجمت مع الحياةِ أكثر، لتصل إلى مرحلة تستطيع فيها إمتاع نفسِك بما لا يراه غيرك ممتعًا، لأنَّك مؤهل لذلك، لا لأنَّ الأشياء ممتعة.
ولكن ليس هذا ما أردتُ الحديث عنه!
أردتُ الحديث عن الدبلوماسيَّة في الحوار، لماذا يحصل البعض دائمًا على ما يريدون من الآخرين بينما تتعثّر أنت دائمًا في ذلك؟
لاحظتُ أنا أنَّ إخوتي الذكور يحصلون دومًا على دعم أمّي سواي، وأشعر الآن أنَّني على منصة TED بشكل ما! أو أنّني أترجم مقالا عن التنمية الذاتية!
ما علينا..
وجدتُ أنَّ الفرق أنّهم يتواصلون معها عاطفيًا أكثر مني، عندما يطلبون شيئًا، يجيئون إليها ويُقَبِّلونَها ويسترضونها حتى ترضى، بينما أطلب أنا عن بُعْد – ربما أحاول احترام الهالات الشخصية للآخرين – وبطريقة أكثر رسميَّة، وأفشل دومًا!
وعندما جرّبتُ طريقتهم نجحتُ!
فهل أنا منافقة؟ - هذا موضوعٌ آخر سأكتب فيه قريبًا بإذن الله !-
لكنني لا أعتقد مبدئيًا أنني منافقة، طالما أنَّ هذا الأمر يُعجِبها ويمكنّني من نيل ما أريد، وطالما أنَّ الأمر لا يخرج عنه أيّ أذى لأي طرف.
بالمثل نكون في حواراتِنا مع الآخرين، تخيّلوا أنَّ زوجًا عزم زوجته على حفل عشاء مع أصدقائهما وأرادها أن تأتي معه، لكنّ ظروفها تغيّرت في ذلك اليوم لسبب ما ولم تشأ أن تذهب، فقالت له: "اذهب أنت فلن أذهب"، بينما تخيَّلوا ردّ فعل هذا القول: "ما رأيك أن تبقى معي فأنا أشعر بالتعب ولا أريد أن أخذلك"، مثلا، ستقولون أنَّ هذا حُلُم ولا أحد يتعامل بهذه الطريقة خاصَّة الأزواج !!
ربّما لأن الكلام بالفصحى فالأمر يبدو كأنه خارج من كتاب أجنبيّ مترجم، لكنني ترجمتها إلى اللهجة المصرية ووجدتها أفضل أيضًا!
في القول الأوّل قامت المرأة بإصدار بيان إلى الزوج أو ما يشبه الأمر، وكأنّها اتخذت القرار وحدها، وهذا يغضب الرجال كثيرًا، آباء وأزواج وحتى ربما زملاء عمل. أغلب الظنّ أنّه جين ذكوري!
في قولها الثاني لطفٌ أكثر، حتى لو كان الذهاب مهمًا بالنسبة للزوج فسيذهب بدونها لكنّه لن يكون ساخطًا، لن تكون ساخطة، وعلى رأي اللي قال: everybody is happy !
طريقة حوارك مع من أمامِك مهمّة جدًا، ولكي تستطيع تقييم نفسك، حاول تذكّر حواراتك الفاشلة والناجحة ولاحظ الفرق في طريقة تقديمك لطلبك، لأنَّ حصولك على ما تريد دون أن تخسر الطرف الآخر هو دليل نجاح الحوار.
أنا شخصيًا لا أطبّق ذلك مع أقرب أصدقائي، أقول لهم ما بقلبي فورًا وبدون أيّ تصنّع، لأنني أعرف أنّهم سيفهمون بالضبط ما أعني، ولن يقوموا بتحميل كلامي أكثر أو أقلّ مما يحتمل.
بينما أضطر لفعل ذلك مع الآخرين.
ولا نحتاج إلى الكذب – كما يفعل الكثيرون – كي نعتذر عن أمر، أو نفعل آخر، نحتاج لتهذيب صادق وحسب.
كُلّ ما تحتاجه للبدء يقينٌ تامّ بأنَّك ستصبح أقوى، ستعرف كيف توصل وجهة نظرك كاملة إلى من أمامك، ستحصل على ما تريد.
الشرط الوحيد بسيط: لا تخسر نفسك.
ونستنتج من ذلك، عليك أن تتزوّج أقرب أصدقائك لترتاح من كُلِّ ذلك الحساب!
1 comment:
أعجبني ما كتبتِ..
بخصوص اتخاذ القرارات الحاسمة وصعوبتها، أتفق أن ماذكرتِه يُعد مبررات ممكنة، بالإضافة إلى أن المواقف الصادمة المفاجئة قد تجعل الإنسان المتعرض لها في موقف ضعف أيًا كان توصيفه، واتخاذ قرار حاسم غالبًا ما يحتاج أن يكون من موقف قوة..لذلك فمن الأسهل أن يتبع تعليمات غيره الذي هو في حال أفضل منه أو أقوى.
--
أنتظر ما ستكتبين عن الديبلوماسية في الحوار وعن إذا كانت نفاقًا أم لا.
--
Post a Comment