02 January, 2010

نحو الضّوء - الجزء الأوّل



بدء


من أين أبدأ؟ وقد انتهتْ كلّ البدايات، ولم يعد الكلام مُجديًا، في أغلب الأحيان.. لكنّ الرغبة في الحديث لا تتوقف أبدًا. ونعتذر للحروف التكرارَ الخَجِل.


هذه المقالات، ثمرة قراءة شخصيّة، بذرها كتاب " نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي – محمد شحرور "، حيث توقـن بعد أن تنهيه، أنّ إحساسك كان صادقًا، وألّيس كلّ ما تعلمته صغيرًا، يكون بالضرورة صحيحًا. وأنّ ما يجري على غيرك لا يعني بالضرورة أنّه عليك يجري.
أرجو ألا يفهم أحدٌ خطأً، ما أكتبُ، ما سيأتي يحتاج إلى عقلٍ راجح، ومصارحة مع النّفس بأننّا بعد كل تلك الأعوام من الظلام والفساد والبلاء العالق بالأمّة - رغم ادّعاء التديّن- بحاجة للنظر للأمور من زاويةٍ أخرى.


نعلمُ يقينًا أنّه قد نُفِضَ زمن المعجزات، وألّا نبيّ جديد سيأتي ليخبرنا أنّنا على حقّ ويأخذ بأيدينا إلى النّصر بعد طول ظمأ، وأنّنا قد تُركنَا لما لدينا، وألا جديد سوى ما نكتشفه نحن. وأنّه ما مـنْ وحْيٍ جديد نسأله العَوْن، سوى ما يوحيه إلينا الوحي القديم.


علينا أنْ نصرّف أمورنا بما لدينا، هذا يعني، أنّ لدينا ما يكفي ويزيد، وأنّنا نستطيع- لو شئنا- أنْ نفهم كلّ شيء دون حاجة إلى مساعدة من لّدنِ السماء. أنّنا، وبعد أكثر من ألف عامٍ من الوحي الأخير، وصلنا إلى علوم ومعارف تتيح لنا ما لم يُتَح لمن قبلِنا. وأنّ لدينا من الأدوات ما يمكنّنا من إثباتِ، أو دحضِ لما تصل إليه أيدينا.


(في ذاتِ الدّواة سقطنا،
من جناح طائر،
سـقـْطَـتُـنا رنّحتنا ريشتين في ذاتِ الدواة.
من يكتبُ بنا هذا العالَم؟
من يبقينا عسيرين ويسيرين؟
ويُسْعِفُنا بنا،
فنكتُبُ العالَم
منْ يكتب بنا هذا العالَم؟
لنا أنْ نصعد القمر،
ونقول: لنا أن نطعن القول،
نصمتُ.
قَمَرٌ، وقولٌ لنا.
وللكفوف شهوة العميان.) *




بعد البدء
النصوص بين القوسين ( ) عبارات مقتبسة سيرد مصدرها في حينه.
النصوص بين علامتي التنصيص " " مصدرها كتاب المؤلّف.


1.ماهيّة الدين


إذنْ. الرّسالة المحمّدية، رسالةٌ أخيرة لكلّ العالَم. عليها أن تصلح لكلّ مكان وزمان يلي مجيئها، حتى يأذن الله بانتهاء الوقت. كما صلحتْ للعرب الأوائل وأمكَنَ تطبيقها في الجزيرة العربية وأسّست قواعدها في أوّل دولة مدنية بالمدينة المنوّرة وكان أتباعها بدو من عرب الصحراء. يمكن تطبيقها الآن في أيّ دولة أخرى. أيًا كان سكّانها.
ـ
"فإن قيل (وما أكثر من يقولون هذا) إن الاسلام شيء، ومانراه ونسمعه شيء آخر، أو إن قيل إن الاسلام شيء، والمسلمون شيء آخر، فهذا يعني عندنا أمرًا واحدًا، هو أنّ الإسلام دين نظري يعيش في فراغ، ويتجسد فقط على صفحات الكتب، كتب القرون الذهبية الاولى، وكتب التفسير والصحاح والمسانيد والسنن، رغم ما فيها من اختلافات وخلافات، وما فيها من غوامض وإشكالات. أين مصداقية الرسالة المحمدية؟ وأين هو الإسلام الذي نزل وحياً على قلب رسول الله (ص) منذ أربعة عشر قرناً؟ وأين نجده الآن؟ الجواب على هذه الأسئلة مشكلة كبيرة جداً، والتصدي لها مشكلة أكبر. فإن قلنا (كما يقولون) إن الاسلام هو واقع المسلمين (الأمة المؤمنة بالرسالة المحمدية)، صدَمَنا هذا الواقع، إذ لن تجد على ظهر هذه البسيطة أمة مهانة متخلفة كهذه الأمة، واقعها خير مثال للوجه النقيض الآخر لقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ…) (آل عمران 110). وإن قلنا ابحثوا عن الإسلام في العالم كله، ابحثوا عن مثله العليا وعن أخلاقه عند جميع أمم الأرض. قامت الدنيا ولم تقعد. إذ كيف نبحث عن الإسلام عند أمم لا تؤمن أصلا بأن محمدًا رسول الله. وإذا كان الأمر لا هذا ولا ذاك.. فأين نبحث إذن، وكيف نبحث؟ في الأزهر والزيتونة والنجف الأشرف.. أم في مكة وقم وبغداد والقدس؟ وهل نبحث عن الاسلام بعيون الشافعي ومالك والصادق.. أم بعيوننا نحن اليوم؟ وهل نتلمس الإسلام في الكتب أم في الواقع؟ فإن قلنا في الواقع، ففي أي واقع نعني؟ واقع القرن السابع الميلادي، أم واقع القرن العشرين؟ حتى حين نصل أخيرًا إلى القول بأن البحث يجب أن يبدأ وأن ينطلق في ضوء فهم كتاب الله وتنـزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ترانا أمام إشكاليات جديدة، وأمام أسئلة جديدة، وأمام حواجز جديدة تمنعنا من محاولة البحث عن الإسلام في آيات التنـزيل الحكيم." مقدمة الكتاب
ـ
(هل حدّثتُك عن الحيرة؟
الأمر الذي يتعدّى وقوفنا أمام لوحتين
أيّتهما أجمل !
الأمر الذي يُجاوز كلَّ أحلام البُسَطَاء،
والخيارات المحددة لهم سلفًا في الحياة
الأمر الذي نقف عنده الآن
وتعجز أيادينا عن بسط محتواه،
أسبابَه،
ختامَه،
في الحياة.. كلّ الأمور تؤول إلى منتهاها،
ومنتهى العزم سيؤرقك !
سيؤرّقُ كلانا
سيغلق على مدارك الخيال،
سنحجرها بمسافاتٍ ضيّقة،
حتى لا نبكي) **
ـ
ـ
" إن للدين جوانب ثلاثة: جانب المثل العليا الذي لا يمكن فصله عن الدولة ولا عن المجتمع، وجانب الشعائر الذي فصله رسولنا الكريم عن الدولة منذ العصر النبوي، وجانب التشريع والأحكام الذي يرسم حدود الله في حياة الفرد والدولة والمجتمع، والمشكلة هي في هذا الجانب الثالث."ـ


ـ* سوناتا النسيان الجميل
ـ** لئلا يستحقَّ أحد


يتبع

1 comment:

Unknown said...

في انتظار ما سيلي بعد
أشكر جهدك كثيراً
و أشكرك أكثر