هـل نُـشْـبِهُ الـبـحـر في تـخـبطه ؟ أم يـشـبهنا في غرورنا ؟
أم أنّه حائر مثلنا؟ ونحن هائمون مثله باحثين عن أنفسنا؟
نشبهه في صفائه وقتما نعشق، ويشبهنا في كدرنا عندما يتلوّن ويختفي نقاءه بالأسفل بعيدًا عن الأنظار
نشبهه عندما نثور، ونغضب..ويشبهنا عندما يتمايل موجه بهدير متناغم كأنه عاشق سعيد بين يدي من يحب
نشبهه.......ويشبهنا
***********
بقلم: حمدة خميس
لماذا يظل البحر هادراً أبداً؟ لماذا لا يهدأ، لا تأخذه غفوة ولا غفلة؟ لماذا يظل الموج مرتطماً بالشواطئ ومنحسراً، كأنما في حسرة ؟ من ينوح فيه أو عليه الريح أم الغامض المجهول في مائه؟ هل يتذكر البحر غرقاه فينشج ويلطم صدره بقبضة الشواطئ حسرة وأسى؟ أم يحتفي بعشاق الرحيل الضالعين في ارتياد الخطورة، فينشد مفتوناً بجرأتهم؟
صوت من هذا الذي يعلو ويعلو غاضباً، أو منشداً أو صاخباً، الريح أم الماء الأسير بين حدود البحر والمأخوذ بفتنته؟ لماذ يشبهنا البحر حين النشيج وحين العشق وحين الأسى وحين الغروب؟ هل يشبه الإنسان البحر في غموضه ووضوحه، في رأفته وطغيانه، في إبداعه وغبائه، في خصبه وقحله، في أسرهِ وحريته؟ هل البحر مقيد يتوق إلى الانعتاق من قيده، أم انه حر مطلق يتوق إلى قيده؟ هل الشواطئ قضبان سجنه الأبدية، ويظل أبداً يضربها بقبضة الأمواج فلا تنكسر ولا تنصت لصرخته ولا عدالتها لتطلقه؟ هل يبلغ البحر أقصى مدى غضبه وقهره حين يثور ويعصف ويرجه الطوفان في عمقه ليكسر القيود والحدود وينتصر لسلطته وحريته؟
هل الرياح أسرى البحر يقودها بسلطة الفصول، أم أن البحر أسير لسوط الريح تقوده إلى العصيان مرة، ومرة إلى الطاعة والتسليم؟ هل البحر والريح عاشق ومعشوق، يرقان، يأتلفان، يذوبان، يفنيان في العشق حتى يصيرا واحداً في جسد واحد مشع بالدهشة والغموض والكنه والأسرار؟ أم أن لهما طبائع الإنسان في الجفوة والنكران والصدود، وربما الحقد والعنف والكراهية؟ هل ينكر البحرُ الريحَ حيناً ويطردها من جنة العشق، فتعصف بالغابات وتعول في الكهوف، تمزق الأشرعة من غيرة وحسرة، وتغرق السفن والمبحرين في جسد البحر، أم أن الريح هي التي تنأى وتجفو وتوغل في الصدود، فينشج البحر من لوعة وأسى، ويبعث أصداء الأنين والعويل منذ نشوء الكون، حتى الأبد؟
لماذا لا يشبه الرمل على الشطآن، الرمل في الصحراء والكثبان؟ أليس البر وليد البحر؟ أليس الماء كيمياء الخصب في اليابسة؟ ألسنا دون الماء ذرات تراب ظامئ يتوق ذرة الماء؟ أليست عذوبة الماء الذي نشربه، بعض عذوبة البحر الذى نمجّه؟ فلماذا حين يأخذنا البحر إليه يحرقنا كلذعة القبلة حين احتدام الشوق؟
بحر هو الإنسان والريح لا الحدود موطنه، في عمقه يكمن الطوفان والطغيان والموت والفناء، وفي عمقه أيضاً يكمن الميلاد والخصب والكنوز والعشق والحكمة والحنان؛ شبيهان هما البحر والإنسان، فالبحر مأسور بشطآنه، والإنسان بالإذعان.
3 comments:
البحر يثور فى الصيف ضجرا من المصيفين الآتين من خارج الاٍسكندرية ويثور فى الشتاء حين يتذكر ما يحدث فى الصيف
:)
بدون تعليق
the_explorer :
معك حق.. المدينة تتثاءب من الملل مما يفعله المصيّفون، ويبدو أن البحر أيضًا ضجر مما يفعلونه به وبرماله..لكني أختلف معك بشأن الشتاء ..
أعتقد أن الشتاء موسم عشق البحر !
شكرا لمرورك
تحياتي
al azif
أرجو أن المقال أعجبك !
Post a Comment