(1)
" ذلك بأنَّهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم"
ألا يكفي فعل ما يُسخِطَ الله لإحباط العَمَل؟
هل لابُدَّ من ذلك العداء والكراهية الشديدة التي تؤدي لكراهية رضوان الله؟ ولا تكون كراهيةُ رضوان الله إلا بعد عداء الله عداءً شديدًا.؟
الكثير منا يفعلون ما يُسخِط الله لكنَّهم يرِقُّونَ لحالهم، أو يتساءلون إن كان ثمّة سعة لرضا الله، أو أقلّ الأحوال، يعرفون أنَّ ما يفعلونه لا يؤدي إلى الكمال الإنساني.
(2)
"أم حسب الذين في قلوبهم مرضٌ ألَّنْ يُخْرِجَ الله أضغانهم"
أمراض القلوب.. التي لا يعرفها غيرُ خالِقُ القلوب، والذين يؤذيهم الاقتراب من هاتِه القلوب المريضة إلى الحدِّ الذي يصيبهم صديدُها..
هي الخَفِيُّ الأكثر وضوحًا؛ الغائب الذي يرسم الشخصية ويطبع على السلوك.
أحسب هؤلاء، الذين في قلوبهم مرض، أنّهم سيتوارون عن أنظار الله والعالمين؟ أيظنُّونَ أنَّهم سينالون مرادهم محققين غاياتهم الدنيئة دون أنْ يُخرِجَ الله أحقادهم كلّها، يومًا، على الملأ؟
أيحسبون أنَّهم سيفرّون من العقوبة في الآخرة؟ ومن قبلها؛ من الفضيحة بين الخلائق في الدنيا؟
يوجّه الله تعالى الحديث لرسوله: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم؛ ولتعرفنَّهم في لحن القول؛ والله يعلم أعمالكم"
قال له أنّه قادر على أن يجعل الرسول يتعرَّف أولئك المرضى بمجرد النظر إليهم؛ أن يجعل أشكالهم دلالة كافية لمعرفتهم. لكنّه رغم ذلك لن يفعل!
بل.. "ولتعرفنَّهم في لحن القول"
عليك أن تحرص، تتعلَّم وتجتهد لتعرفهم بنفسك، عليك أن تستمع جيِّدًا إلى من يحدثك لأنَّك ستعرفهم من تناقض حديثهم، من نبرة أصواتهم، من نظراتِهم الزائغة، من كلّ ذلك أو بعضه... ستعرفهم بنفسِك فلا تتّكل. حلل ما تسمع وستعرفهم حتمًا.
* كَتَبَ ابن القيم كثيرًا في أمراض القلوب؛ وكذلك عبد الرحمن الجوزي؛ ويمكن البحث عن ذلك.
(3)
"ولنبلونَّكُمْ حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم"
عادةً يكون الاختبار/المقارنة بين شيئين أحدهما حسن والآخر سيء؛ مثلا هنا مفاضلة بين المجاهدين وأصحاب الأعذار: "لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا"؛
وهنا أيضًا مفاضلة أخرى:
"أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"
وهنا ثالثة:
"أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"
إذن؛ عودة للآية الأولى؛ أيكون المجاهدون هنا؛ ومن سياق الآيات السابقة لها، الذين حاربوا أمراض قلوبهم؟ الذين حاولوا معرفتها ليعرفوا إن كانوا مصابين بها؟ الذين إذا اكتشفوا أنَّ بقلوبهم مرضًا هبُّوا لعلاجه قبل أن يفوت الوقت؟
أيكون الصابرون هنا هم الذين لم يحاولوا فصبروا على ما جُبِلوا عليه "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا"، الذين قالوا هكذا خلقنا الله ولم يحاولوا أن يصبحوا ذوي قلوب سليمة؟
"ونبلوَ أخباركم"
كمن يقول: وكلّه مكتوب.. تطوّر جهادكم أو صبركم، معروفٌ من هو المجتهد ومن هو الصابر، ومن هو المتكاسل عن كليهما، من المريض القلب، ومن الصحيح.. كلّ شيء. كلّ شيء.
(4)
"إنَّما الحياة الدنيا لعبٌ ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم؛ إن يسألكموها فيُحْفِكُم تبخلوا ويُخرِج أضغانكم"
مرةً أخرى؛ يقلّل من أهميَّة الحياة؛ ويصفها باللعب واللهو؛ الله يا سادة – بخلافنا – لا يأخذ الدنيا على محمل الجد، يقول لنا أنَّه يكفي الإيمان والتقوى، ولن يسألنا أموالنا، لأنَّه لو سألنا إياها "يخرج أضغانكم".. يا إلهي كم تعرف ما صنعت يداك!
إلا المال؛ اسأل أحد المسؤولين عن بيت مالا وانظر ما يقول لك! ستُخرِج أضغانه فعلا!
أيكون الإنفاق الواجب (الزكاة) هنا ضمن "تؤمنوا وتتقوا".. أيّ: أدّوا زكاتكم لضِعافِكُم فلا يسألكم أموالكم.. ابدؤوه بأداء واجباتكم فتعودون أحرارًا؛ في أوقاتكم، في أموالكم، فيما تملكون؟
ربّما.
No comments:
Post a Comment