19 February, 2011

عن الجَمال


يغمرنا الجمال بحدود ما يستطيع. متدفّق لكنّه لا يتدفّق لظامئ واحد. ولو أراد أن يوهَب لمالك واحد لما استطاع. إنّه أسيرُ إشعاعه كما أنت أسير جدرانك. جوعك إليه أعظم من ولائه لك. انعطافه عليك يظلّ يتماوج بين نعمة وحسرة. الجمال الخالي من تناوب هذين الوجهين جمالٌ مشبوه. الحبّ الخالي من ألم الطمع بالمزيد، حبٌّ صغير.
الكاتدرائيّات والتماثيل الضخمة والقصور المنيفة ونجوم الفلك وصَخَب البحر وشسوع الغابات، جمالٌ يَسْحَق. يمكن أن يصبح مصدر إلهام، لكنّه نادراً ما يؤاخي ويصير صديقاً حميماً، ونادراً أكثر أن يغدو حبيباً. الجمال الحبيب يركّعك وهو يعتذر. يُخشّعك ويخشع معك. يبعث فيك الانسحار به ورغبة حمايته.
الجمال الحبيب يرعشك كعصفور في العاصفة، وهو نفسه عصفورٌ في العاصفة.
■ ■ ■
بين جمال يؤنّب ضميرك وآخر يُعفيك من ضميرك، أيّهما تختار؟
■ ■ ■
تتمنّى لو لم تصادف جمالاً يسكنك. لكنتَ حافظتَ على قسوة ظافرة. لما كان تسرّب إليك الضوء الذي يجوّع إلى مستحيله. لما كنت تَعلّقتَ بما يُدمِّر فيك ما كان فيك يُدمِّر. ملاكُ الإنقاذ لطالما استبطن غزاةَ احتلال.
■ ■ ■
يشرق الجمال من وراء حجاب. ظهوره يفاجئ كالهديّة، والمفاجأة الغامرة محبوبة دائماً. بعض الجمال يزداد رونقاً عندما يطلّ من مخبئه، كالقمر من الغيم، لكن الجمال السافر كذلك محجَّبٌ بنوع مختلف من النقاب هو نوره. كلّما نظرتَ إلى وجه جميل شعرتَ بأنّك الآن شرعتَ في رؤيته. تأمّلْ تَعجُّبَ الجميل لكلامك وأنت تتغنّى به. يخاف الجميل أن تملّه، أن يكون إعجابك كذباً أو انخداعاً، لأنّه لا يثق بسرّه. الجميل الحقّ معقّد بنقصه وباحثٌ بلا قرار عن الكمال. وهذا يَضاعف تأثيره. الجمال مَلِكٌ غير هانئ على عرشه، وهذا يضاعف تعلّقنا به.



أنسي الحاج

No comments: