قال لي صديق عندما وجدني أصرّ بشدّة على رأيٍ ما، وعَرِفَ أنّنِي كنتُ من قبل أتبنّى عكسه تمامًا، أنّ عليّ أن أبحث عن الماضي، وأنّني إذا وجدتُ من يُصِرّ بشدة على الاعتراض على رأي ما، فإنّه كان من قبل متبنيًا له، لذلك ستجده الآن مصرًا على الرأي المعاكس.
كنتُ في الحقيقة أقف ضدّ نفسي سابقًا وكأنّها عدوّ لي، لذلك أصرّ بشدة وبدون نقاش. الغريب أنّ نقطة ما فيك تعرف أنّك ترفض ذلك لأنك كنت كذلك، لكنّك تغفل أنَّ كل ذلك التعصّب ناتج من إحساسك تجاه نفسِك في السابق أكثر منه تجاه الشيء ذاته!
تجاه "أنتَ" الماضي!
تجاه "أنتَ" الماضي!
الذي جعلني أتذكّر هذا الكلام مقال الصديق فهد فتّش عن الماضي، المقال لم يتناول بالتحديد "هيئة" الماضي التي علينا أن نُفَتّش عنه، لكنّ الغالب على المقال يبدو أنّه الماضي الفِكري للفَرْد عمومًا، كيف كنّا نتبنّى أفكارًا دينية/حياتية معيّنة نتبرّأ منها الآن أو العكس!
الماضي الفِكْري، العاطفي، الديني، الشخصي .. ليس شرطًا أن يكون شيئًا سيئًا أيًا كانت أحداثه! لأنّك الآن ما أنت عليه الآن بسبب ما حدث لك من قبل! [قليل من الوفاء إذن!]. لو كنتَ الآن أفضل، فلماضيك فضل ولكنّ الفضل الأعظم لإرادتك التي عَدَلَتْ بك نحو الأفضل، لو أنّك في السابق أفضل، فالوِزر على إرادتك التي خذلتك في الطريق، لأنّك لم تُغذِّها جيّدًا!
لو تركنا الماضي ليتحكّم في تصرفاتنا فقد ضَمِنّا خسران الحاضر والمستقبل.
لا مناص من تقبل ماضينا كما هو بكل ترحاب، ولايوجد طريقة صحية سوى أن نؤمن بأن شخصياتنا في الماضي تختلف عن أفكارنا، فمهما اختلفت أفكارنا ومهما تحولنا ذات اليمين وذات الشمال، إلا أن شخصياتنا “جوهرنا” ستظل المركب الوحيد الذي نشق به عباب الحياة، فعلام التنكر لها ولماضيها !؟ *
ما الفائدة من العيش بنيّة الانتقام من الدنيا لأجل ما حدث في الماضي؟ وما الذي سأجنيه بالبقاء في الماضي للأبد؟ بالضبط كما يقول الصديق كريم:
الكره والحب وجهان لعمله واحده..الراجل إللي عاوز يتحرر من شئ يعترف بيه و يبدأ طريق جديد من غير كره..لأن الكره حيفضل يشعل قلبك و حيأثر على حياتك وعلاقاتك. **
حسنًا، لأول وهلة قد يبدو أنّني أخطأت الاقتباس، لكنّ المكان صحيح تمامًا، رغم أنّ كريم قال ذلك في سياق حوار آخر تمامًا، إلا أنني أعنيه هنا تمامًا.
أيّهما أفضل، أن تعترف أنّ ماضيك ليس جيدًا، أن تنوي أن تنأى بمسارك عن كلّ ما يتعلق بذلك الماضي، وبكامل وعيك تعترف بهذا الماضي، لا بفخر، ولا بندم، وإنما فقط بتقرير جامد حيادي، بلا أيّة مشاعر انتقامية، هجومية، عدائية، ولا غرامية بالتأكيد!
أم البقاء ليل نهار في ندمٍ مفسدٍ لكلّ ما يمكن أن يكون في المستقبل؟ لكلّ جميل ومثمر محتمل مقابل ما يستحيل تغييره!
لا يبكي الشّجر عندما تسقط أوراقه بل يصنع أخرى، لا يتوقّف الورد عن إثمالنا بالعِطْر لأنَّ به شوكًا! رغم أنّ الشوك من حاضر الورد لا ماضيه.
ليست هذه فلسفة "وردية" ما ! لكنها واقعية بحتة، لمن يريد أن يُكمِل حياته دون أن يخسر مستقبله، لن تتخلّص من كل ذكرى من تركك أو كرهك إلا بإنزالهم منازل الأشخاص الذين لا تهتمّ لأمرهم، ولنْ تتوقّف أبدًا عن نسيان من تريد أن تنسى بكرهه! لأنّ الكراهية فعل تآكل القلب باستمرار لصالح الشخص المعني! لا يمكنك أن تكره شخصًا ما وتقول أريد أن أنساه، أنت بذلك تؤكد امتلاكه لقلبك! تمامًا كما شرح اقتباسي الأخير باختصار في سطر ونصف! لا يعني كذلك أنّني أدعو لترك الحقوق، أنا أتحدث عن الأمور النفسية، لا الحقوق التي تسعى لانتزاعها من مغتصبيك رغم أنوفهم!
لا حلّ في الماضي إذن سوى التصالح معه، لنعقد معه هدنة، سنعترف بوجوده، على الرحب والسَّعة، هناك ما سيسقط رغمًا عنّا بحُكْمِ الذّاكرة- وهذا يختلف من شخص لآخر-، وهناك ما سنتذكّره، فهو فِكْر آخر نختلف معه الآن بعقلانية وبنضج، وشخص مراهق علينا أن نتسامح معه، أو حتى مختلّ عقليًا يحاول التعقّل! كلّهم نفس الشخص. فعلام نخسر أنفسَنا وأرواحنا وشخصيّات أفضل يمكن أن نكونها لأجل ماض مبنٍ على الذاكرة؟
أجمل ما يمكن قوله للماضي: ما ظلمتك، ما ظلمتني، ولا فينا ظَلوم... يا عسى العِشرَة تدوم !
وإن نسيتِك، أَرْسِلِ الذّكرى بمزاجك!ـ
* * فيسبوك.
4 comments:
أختلفت أفكاري ومعتقداتي عن الماضي كثيرا فعلا
ولكني أصبحت أكثر تفهما للرأي الأخر ودائما أردد " ومن قبل كنا كذلك "
مقال جيد
تحياتي
:)
سأحتاج إلى تلك المصالحة بشكل يومي إذًا!
ما الذي قادك إلى هذه المصالحة؟
رغبتي في التصالح مع نفسي لأعيش معها مستقبل أجمل.
Post a Comment