كثيرًا ما تساءلتُ عن شخصيتي الحقيقية، أحيانًا أشعر أنّ هناك واحدة أخرى هاجعة تحت جلدي، وأنّها يومًا ما ستخرج للنّور! وأنّني كلّ هذا الوقت أقوم بتغذيتها كي تنمو وتصبح أكثر قوّة وصلابة لتخرج للحياة دون أيّ تردد! تمامًا وكأنّها لُبّ وكأنّني قشرة! وكأنني سريعًا ما سأتكسّر لتخرج هي بثقة!
تلك الأخرى القوية الواثقة التي أحبّها دون أن أراها، والتي لا أجد مشكلة أبدًا في أنْ (أتقشّر!) لتخرج هي، وأتنازل لأجل أن تظهر للحياة! الأخرى -التي أخشى ألا أتعرّف عليها أبدًا- تثير فيّ تساؤلا واحدًا، أخلاقيًا !
الأخرى لا أعرف ديانتها، ولا أخلاقها، ولا أيّ شيء عن مبادئها !!
فكّرتُ كثيرًا، ماذا لو شربت المسكرات؟ هل ستظهر؟
ماذا عن "الحشيش"؟
ماذا لو جرّبته؟
أليس من المعروف أنَّ المسكرات تُذهِبُ العقل؟ ويتصرّف الإنسان بعد ذلك طبقًا لما يوجد في لا وعيه؟ ويقوم بعمل ما يودّ عمله حقًا لكنّ عقله الواعي يمنعه من فعله؟
حسنًا، لا أنكر أنني تمنيتُ كثيرًا أن أقوم بفعل ذلك، رغم أنّني لم أقم بأي محاولة، لأنّه كانت هناك مشكلة عويصة، من ذلك الشخص الذي يمكن ائتمانه على سرّ كهذا؟ لا يوجد صديق على الإطلاق يمكن أن يؤتمن على فعلة كهذه !
حتى لو وُجِدتْ صديقة ما يمكنها أن تسترّ سرًّا كهذا، كيف سأواجهها بعد أن أعود لوعيي؟ هل ستحكي لي حقًا ما قلتُه وفعلتُه؟ هل نقوم بتصويري صوتًا وصورة؟ كان يمكنني أن أقوم بفعلها وحدي إذن دون حاجة لفضح سرّي أمام أحد! – ها أنا أفضح أفكاري أمام العالَم!- لكنّ الكتّاب(بافتراضي واحدة) ليس عليهم حرج!-
التساؤل الأعظم، ما الذي يمكنني فعله/قوله؟ لو فعلتها وحيدة فكلّ ما يمكنني فعله هو الهرطقة بكلام غير مفهوم، ماذا لو فعلتها في مكان به أشخاص؟ من هي تلك الأخرى التي ستظهر وتحرجني؟ - افترضتُ أنّها ستحرجني لأنّ الإنسان بلا عقل كائن مُحرِج فعلا!- لتتخيلوا ذلك، ألم تكونوا من قبل في حضرة أحد المختلّين عقليًا؟ لم تشاهدوا أبدًا أحدًا من ذوي الاحتياجات الخاصّة؟ الأمر محرِج لذوي العقول! أعني أنّ كونك دون "عقل" بالطبع، لا أعني المَرَض! فهل أختار بيدي أن أكون كائنًا غير عاقل، ولو لساعات - لأنّ الأمر لا ينتهي في دقيقتين!-؟
دعونا من التساؤل الديني، كنت أعلم أنّ هذا أوّل ما قد يطلقه البعض، وقد أكون خرجت من الملّة لديه الآن! لم أسأله لنفسي، أو ربّما سألته وتجاهلته، لأنّ التفكير في التجربة كان أولى لديّ من دحضها لأجل إجابة جاهزة لن تشفي غليلي.
الذي أجاب سؤلي أخيرًا، وجعلني أتذكّر كل هذا الكلام، مقال للصديقة سلمى هلالي، والتي أجرؤ أن أقول أنّها صديقة فِكْريّة، دون حتى أن تدري هيَ أيَّ شيء عن أمر صداقتنا هذه !
المهم، المقال يتحدث عن رأيها في كتاب "ما بعد اللا منتمي للكاتب كولن ولسن"، تقول:
تحدث أيضا عن تجربته مع المخدر... لم يكن مدمنا... و إنما جربه ليعيش تجربة "الإدراك"... كان هذا جزءا من ثقافة شباب الستينات و السبعينات في أوروبا كما يبدو... كان الفصل ظريفا و أعجبني...
المخدر أو المسكر قد يجعل الرؤية أوضح، إذ تسكن القشرة الخارجية أو القناع ليعود للأصل... ولكن الخطأ أنه محفز خارجي و ليس إدراكا نابعا من الذات... و لذلك انتقده ولسون
حينها وجدتُ إجابة سؤلي، وعرفتُ أنّ تجربتي، سواء كُتِبَ لها أن تكون أو لا، فإنَّها ستظلّ تجربة لسويعات معدودة، وأنَّني سأعود بعدها لأنا [الآنية] بعقلي وحياتي وذاكرتي، عدا بعض المشكلات التي ستحتاج لمعالجة بعد سويعات سكر وعربدة!!! والله أعلم شو كمان !!!
وأنّني [الحقيقية] التي ظهرت في تلك السويعات ستموت فور أن أعود لعقلي، لتعود أنا [الأحقّ]! أنا التي تتعامل بلا أي محفزّات خارجية ولا منبّهات لها وقت انتهاء صلاحية، أنا التي بكامل إرادتها وذاتها ومبادئها وأخلاقها، والتي أحبّها أكثر من تلك الهاجعة أسفل أظافري!
تقول سلمى عن المترجم:
لم يجد المترجم فائدة للحياة في لا وعيه/لا عقله فحاول الانتحار!
اللطيف بالأمر أن المترجم "يوسف شرور" كان صديقا لولسن و قد تحدث أيضا عن تجربته مع المخدر بعد أن أقنعه ولسن بتجربته... و لكن النتيجة كانت مخيفة في حالته إذ أنه انتحر دون أن يشعر... و حينها ابتسمت من طرافة الموقف، فكيف يحدثنا و يكتب و هو منتحر ... و لكنه أكمل قوله أن مدبرة منزله قد شاهدته و أسعفته... كل هذا و هو غير واع...
أعتقد أنّ الإجابة واضحة جدًا !
لو أنّني أريد أن يتمّ سلب عقلي، ربما عليّ أن أتزوج!
ـ
4 comments:
بصراحه
كلو في كفه وآخر سطر في كفه :)
هاي الفكره خطرتلي كتير جد مغريه
:D مش كدا برضه؟
جميل لكن بدلا من البحث عن حافز او شىء ليظهر تلك الاخرى بداخلك الافضل ان تستسلمى لكل حالة وتلبى كل رغباتك بحرية وبدافع ارضاء نفسك وان ترى نفسك فى كل الحالات فضول لتكتشفى هؤلاء الاخرين داخلك !
لا تتزوجى اعتقد الزواج يقتل الحرية ولن تستمتعى الا بحالات مفروضة عليك كما يحب الاخر ان يراها او يراكى دائما
كل سنة وانت طيبة :)
أكثر ما شدني في الموضوع توقيته.. لأن الخاطرة إبان نشرها على الأقل تزامنت مع عيد الفطر "السعيد"
الأعجب من ذلك أنني قررت ومجموعة من مساطيل الثقافة سميناها (ن) أن نجرب استخدام الحشيش مع اقتراب العشر الأواخر من رمضان الأخيرة، ذلك أن اثنين منا توحما بمعسل الشيشة وطقوس إعداده ورائحته الاستلابية أثناء تخطيطنا لموعدنا القادم، أخبرتهم بأن "الشيشة" حرام، لكن "الحشيش" ليس كذلك.. نزولا على تقييمه الطبي بأنه "محفز" وليس "مخدرا"، حيث لا توجد به مادة تستدعي الإدمان.. علما بأن بعض أفراد المجموعة ممن تخرجوا في العلوم الشرعية.. ومن كل "مذهنات" الدنيا ما أردت إلا تجربة الحشيش، لما له من تأثير صوفي في أجيال من المفكرين والأدباء.. جيل الشعراء الرومانتيكيين قد حددوا إطارهم بتجارب "الدخول إلى الوعي" من خلال استكتاب عوالم الحشيش وأشهرهم كولريدج ولا شك ، كما لايخفى علينا تأثير الحشيش في كتابات بوب مارلي وبوب ديلان، وياله من تأثير!.. يقولون أن الكتابة الإبداعية والفن الخلاق هو تفكير خارج الصندوق، ماذا إذا كان وعيك نفسه صندوقا يتعين عليك الخروج للتفكير خارجه؟!..
عندما كنت في "شاشاماني" قبلة الراستافاريين الروحية قبل عامين، زرت أحد الراستا السودانيين/ الإسرائيليين هناك.. فأصر (إكراما لجلدته) إلا أن يضيفني.. فقدم لي مشروبا روحيا يسمونه "تج" وهو قريب من نبيذ العسل، فرفضته شاكرا.. وبعد برهة قدم لي سيجارة الحشيش (البنغو) والتي تلازم طقوس إحياء أفكارهم الروحية أثناء قراءتهم لكتبهم المقدسة.. فرفضت ذلك على مضض، بعد لحظات قدم لي باقة من القات، تحججت بأن الوقت مبكر على ذلك.. هل أصنع لك قهوة؟ أخبرته أنه لا داعي للإثقال على أهله، وأنني قد شربت قبل.... فاجأني بصياحه: " يلعن أبو مخك ده اللي ما بيكيفو أي شي!" انت لازم تشرب حاجة.. عندي شاي أعشاب ينفع معاك؟، فشربت منه ما لم ينسكب على بنطالي ارتعاشا!..
هاجسي الوحيد من الحشيش أنه بمجرد دخولك إلى وعيك/ أو خروجك منه، فأنت لا توجه مساربك داخل وعيك البتة، إنما يتولى ذلك طيارك الآلي.. بطبيعة الحال لن تستطيع التحكم في نزعاته ومرئياته، وأنا في حل من دخول لب عالم الكوابيس الذي أعاني منها منذ طفولتي، وعلى ذكر الكوابيس.. خاتمة المقال قوية وموقعة، أخذا بالاعتبار طبيعة الفرق بين الحشيش والزواج:
الحشيش سيسلمك إلى البوليس؛ ربما.. لكن البوليس هو من يسلمك إلى الزواج قسرا طال زمانك أم قصر!
Post a Comment