هذا السؤال الذي عنونت به المقال تضمّنته رسالة حديثة من أحد الإخوة القراء يقول فيها:
في كتاب التوحيد للصف الثالث الابتدائي ص 12 وص 13 ذُكرت بعض صور البراءة من المشركين:
1- بغضهم
2 – الهجرة من ديارهم
3- بيان ما هم عليه من الباطل
يتابع المرسل: هل يريدونني أن أبغض العالم اليهودي الذي اكتشف الأنسولين مع أن كثيرين يعيشون على هذا الاكتشاف وأولهم أمي؟ هل أعلّم ابنتي بغض أديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي الذي أنار العالم كله بما فيه العالم الإسلامي؟ هل أُبغض العالم الذي اكتشف دواء الملاريا؟ هل أعلّم ابنتي الكراهية والبغض والحقد على الغير وهي لم تتجاوز الثامنة؟ هل أعلّم ابنتي الحقد على الناس لمجرد اختلافهم معي في الدين؟ ديننا دين يسر ومحبة ودين يتقبل الاختلاف فلماذا نحوّله إلى دين كره لكل ما هو مختلف عنا؟
ذكرت كلمة (حديثة) في وصف رسالة الأخ القارئ لأننا قرأنا – وسمعنا- عن الاهتمام بتطوير مناهج التعليم, لكن يبدو أن ذلك التطوير ما زال شكلياً فقط بحيث دخل الكتاب المدرسي مرحلة الأقراص المدمجة, أما المضمون فهو نفسه, فهل هذا الجيل بحاجة حقاً إلى استخدام كمبيوتر في المدرسة أم أنه جيل الكمبيوتر شئنا أم أبينا, وما ينقصه فعلا هو التحديث الاجتماعي والثقافي والعلمي وليس الاقتصادي أو التكنولوجي؟
أبسط سؤال يمكن أن توجّهه الفتاة الذكية إلى والدها كاتب الرسالة: ماذا تعني كلمة المشركين؟ فما الذي يجدر به أن يواجهها به وما الذي يجب أن يخفيه عنها؟
هل من المناسب تفعيل أسئلة في عقول الناشئة لا يجدون لها أجوبة سوى التناقض بين ما يدرسونه في المناهج وبين ما يحصل في الواقع؟
إذا كان المنهج يعتبر المشركين هم كل من تضمّهم فئة (غير المسلمين), من نصارى ويهود وبوذيين وهندوس وغيرهم, فكيف ستتعامل الفتاة مع امرأة غير مسلمة مستقبلا؟ وإذا كان لا يُقصد بالمشركين سوى عبدة الأصنام, وهم لم يعودوا موجودين - إلا في أدغال أفريقيا ربما - فما الفائدة من هذه المعلومات المضلّلة؟
الآن فهمت لماذا قالت ابنة جارتي لجارتنا الأخرى المسيحية: أنا لا أحبك ولا أريدك أن تأتي لزيارة أمي, وعندما سألتها السيدة المسيحية بأريحية عن السبب قالت الفتاة: هكذا يعلّموننا في المدارس أن نكره غير المسلمين, وأنت منهم!
العلم في الصغر كالنقش في الحجر, فكم يحتاج الفتى - أو الفتاة - لجهود أسرية لغسل آثار الكراهية من عقله وروحه؟ وما الفائدة التي تعود على أولادنا وبناتنا من معلومات كهذه أقل ما يقال عنها إنها مناقضة للواقع ومنافية لأبسط قواعد الإنسانية؟
ماذا تقول هذه الفتاة الصغيرة وغيرها عن زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله - لبابا الفاتيكان؟ أطفالنا ليسوا أغبياء بل يطرحون شتى الأسئلة علينا, وأصعب شيء على الأبوين هو عندما يضطرون لزحزحة ثقة التلميذ بما يتعلّمه حرصاً على بقائه سوي الفطرة والإنسانية.
صارحتني إعلامية سعودية أن مهمة والدتها في المنزل كانت تتضمن يومياً غسيل دماغ لها ولأخوتها كي ينسوا جميعاً دروس الكراهية التي تعلّموها في المدرسة, وكانت النتيجة التي رأيتها بأم عيني هي عدم ثقة هذه الإعلامية بكل ما يقال إنه دين, لأنها تعلّمت الشك وأصبح من الصعب جداً أن تسترد الثقة!
فولتير درس الشك في الكنيسة على يد قسيس جريء خُفية عن أعين الرهبان الآخرين, وعندما كبر كان أحد الذين زعزعوا ثقة الناس بالدين في أوربا, بل كانت رسائله من انكلترا - كما يقول ويل ديورانت - هي نعيق الغراب الأول في بوق الثورة الفرنسية التي أقصت الدين في فرنسا إلى غير رجعة.
لا يتعلم الأطفال ولا المراهقون في فرنسا أي شيء عن الدين في المدارس الآن بل هو دور الأهل تماماً, فهل يريد المتشددون أن تصل أسرنا وأولادنا إلى هذه المرحلة المخيفة من نبذ الدين؟ متى تصبح المناهج قادرة على تعليم الدين السمح المتواصل مع الآخر؟
فصل الولاء والبراء تم حذفه من المناهج الثانوية, وهذا شيء جيد رغم أنه أقام الدنيا ولم يقعدها لدى بعض من ينتسبون إلى العلم الشرعي, ولكن الأحقّ بالتغيير هو مناهج الطفولة الأولى فهي التي تكوّن ذهنية التلميذ على المدى البعيد, أما إذا كانت المناهج حلقة مترابطة من الكره والتفسيق والتبديع والتكفير, فهذه طامة كبرى!
أشكر الأستاذ خالد المشوح الذي يكتب هذه الأيام عن التيارات السلفية في المملكة وخاصة مقالته الأخيرة عن السرورية, فالحق يقال إن هذا الاتحاد بين المتطرفين من التيارات الإخوانية والسلفية هو أساس البلاء في انتشار ثقافة رفض الآخر, وإن كان المشوّح لم يُشر إلى أن محمد سرور نفسه وهو مؤسس هذا التيار أعلن توبته مما فعل, بعد أن رأى الثمر المر الذي أنتجته أفكاره المتطرفة عندما كان في انكلترا وحدثت تفجيرات 7 يوليو التي قام بها شاب باكستاني تأثر بذلك الفكر التعيس.
هذا الغرب الذي يصفونه بالكافر, هو مصدر كل ما يحيط بنا من تقدم تكنولوجي ورفاهية مادية, وكان من المؤلم عند إعلان نتائج الفوز بجائزة نوبل هذا العام ألا نجد أحد الفائزين يمتّ إلى العرب أو المسلمين بأية صلة, بينما نالها عن جدارة غربيون ليسوا مسلمين, فلماذا نحقد عليهم إذاً؟ ألا نثبت بهذه الأفكار الحاقدة التي يتعلّمها أولادنا فكرة المغرضين من الغربيين والذين يعلنونها صراحة أننا نبغضهم لأنهم أفضل منا؟
ذكرت في إحدى مقالاتي أنه لا مانع من أن نعلّم أطفالنا في سن معين أهم الفروق بين الأديان, لكن دون أن نحقنهم بالكره والحقد, فإذا كانت جارتي مسيحية فلا مانع أن أشجّع ابني على أن يلعب مع ابنها, ولأمنّعه في نفس الوقت من التأثر بعقيدتها, ولكن ليكن ذلك في الوقت المناسب, عندما يطرح ابني الأسئلة, وأما واجب المدرسة في هذا الصدد فهو تعليم الأطفال قصص الأنبياء, منذ نعومة أظفارهم, فالطفل يحب القصص, وعندما يعلم أن عيسى عليه السلام هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم, فسوف يحبه ولن يكره من يحبه حتى لو كان بعيداً في تفسيراته عن المفهوم الإيماني للإسلام.
لفت انتباهي سؤال طرحه الزميل تركي الدخيل في برنامج إضاءات على المفكر اللبناني المسلم رضوان السيد, مستشهدا بالآية القرآنية الكريمة:(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) في معرض استفساره عن العلاقة بين المسلمين والمختلفين عنهم, وأعتقد أن الضيف لم يجب كما كان يحب الدخيل أن يسمع, أما الجواب الفعلي فهو في الآية الأخرى:(ولا تسّبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدْواً بغير علم, كذلك زينا لكل أمة عملهم) فاليهود والنصارى لن يرضوا عنا إلا إذا اتبّعنا ما زيّنه الله لهم, وهل نختلف عنهم نحن في ذلك؟ ألم يقل الله لرسوله عليه الصلاة والسلام:(أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟) ألا يعني هذا حقهم في الاختلاف وكذلك حقّهم في اعتقاد ما يريدون دون أن نَكرَهَهم, بفتح النون وفتح الراء, أو نُكرِههم بضم النون وكسر الراء؟
د. ليلى الأحدب
الوطن السعودية 19/11/2007
أرجو ألا يُستفَزّ أحدٌ بسببي :-s