12 February, 2010

محاولة

تبتاع مذكرة جديدة لأجل أن تكتب فيها، ترشو نفسها بقلم فاخر لربما أثار شهوتها للكتابة، تفتح موسيقاها المفضّلة، تغلق الباب فلا يصلها إزعاج أحد. تمسك القلم. تحاول الكتابة. تفشل. تحاول مرة أخرى. تفشل، كثيرًا.

تفكّر أنّ السبب أنّها لم تهيء نفسها للقصة كما ينبغي، تقوم بإبدال بنطالها الجينز، والتي شيرت الرياضي، ترتدي فستانًا ناعمًا أبيض اللون يكاد ينافس لون بشرتها، تشعر أنها تخففت من وزن ثقيل. لربما يسهل للفكرة أن تقتحمها الآن. كيف يمكن أن تقرر من يمكنها أن تكمل معه حياتها؟ ذلك الذي ستحبّه بكلّ جوارحها ويحبّها بكل دقّات قلبه، من يقرر من تتزوج؟ كيف تثق بقرارها؟ كيف تتأكد أنّها لن تندم؟ أنّها لن تجد ذلك الشخص بعد أن تكون قد تزوجت فعلا !

إذن تظلّ وحيدة ! تنتظر حتى الأبد ذلك الذي لن يأتي قط، الأبطال لا يأتون إلا في الأفلام، ستشيخ وتندم، في نهاية عمرها، على أنّها لم تولد صمّاء، ستحسد تلك التي استجابت لأوّل طارق، وأخرى لم تر زوجها إلا يوم الفرح، وستندم لأنّها استخدمت تلك الخلايا القرمزية اللزجة في تحليل ما لن ينفعها الآن في دار المسنّين، حيث تمضي يومها دون زيارات، ودون أشياء مثيرة كتلك التي كانت تفعلها وحيدة في شبابها !

لكنّها، كأي كائن بشري يحبّ إلقاء اللوم على غيره، ستلوم الجيل السابق لها، حينما تزوجوا بتقليدية جدًا ومع ذلك نجحت زيجاتهم، لكنّهم منعوا ذلك النجاح عنّا، وكأنّ الأجيال تحارب بعضها، ستلقي اللوم على ذلك البطل، كانت تنتظره طيلة عمرها ولم يأت، فهل هذا خطؤها أيضًا؟ لا مانع أن تلوم أيضًا كلّ من حولها ممّن جعلوا فكرة الارتباط بشخص ما، طيلة حياتك، جعلوا ذلك الالتصاق اللصيق فكرة عصيّة على الفهم، في مجتمع يحيط كلّ أفكار الشباب بهالة محرّمة لا يمكنك أن تحكي عنها فضلا عن أن تخترقها !

نعم. تبدو هذه فكرة مناسبة للكتابة عنها، اختلست نظرة للمرآة مبتسمة، ثم أخذت تكتب وتكتب، حتى امتلأت المفكّرة الصغيرة، وجفّ القلم.

ـ

06 February, 2010

نحو الضّوء - الجزء الثّالث

الفرق بين النهي والتحريم- ما هو الإله

"ما هو الله؟ وكيف نفهمه؟ وكيف نؤمن بأنه رب واله؟ البحث عن الله، بحث خاص بالموجود العاقل. وهي مرتبة مرتفعة في الدرجة عن معارف الموجود غير العاقل. فالنحل مثلاً كموجود غير عاقل يعلم كيف يصنع العسل، ولكنه لا يعلم بأنه يعلم كيف يصنع العسل، ولو علم ذلك لغّير في صناعة العسل وطورها. فمن هو الكائن الذي يعلم بأنه يعلم كل شيء، وبيده صيرورة الأشياء كلها، مسيطر عليها ومتحكم فيها؟ إنه الله وليس غيره. ولكن، من هو الله في ماهيته؟"

وإجابة مقنعة:


" كينونة الله عند الله هي الله، أما كينونته عندنا وبالنسبة لنا فهي الأسماء الحسنى. ولهذا لا نجد لفظ الجلالة في التنـزيل الحكيم مفرداً أبداً، بل مقترناً بصفة من صفاته تعالى، وفي هذه الصفات تظهر الألوهية والربوبية.
فالله لذاته هو الله (لفظ الجلالة) والله لنا هو الغفور وهو الرحيم وهو الرزاق وهو الرب وهو الإله.
لدينا المعادلة: 2+2 = 4. إذا أخرجنا منها العدد 2، وجردناه عن كل صفاته وعلاقاته، صار عدماً، عدداً بلا كينونة، وتحولت المعادلة 2+2 = 4 إلى حالة عدمية (حالة عقلية ومعرفية بحتة) مجردة عن كل كينونة. ومن هنا قلنا سابقاً إن علم الله علم بحت مجرد {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} (الجن 28). وقلنا إن الرياضيات هي أرقى العلوم قاطبة، لأنها علاقات مجردة بحتة، ودالات بلا مدلولات. فعلماء الرياضيات يبحثون في العلاقات المجردة البحتة، وعلماء الطبيعة بمختلف فروعها يبحثون عن كينونة هذه العلاقات في الوجود، ويحولون الدال البحت المجرد الى دال ومدلول.

إن الإشارة الرياضية المجردة إشارة اعتباطية، لا تنتفي اعتباطيتها إلا عندما تتلبس في كينونة ما. ومن هنا نقول إن الله لا لغةَ له. فهو لا عربي ولا انكليزي و لا تركي. لأن الإشارة اللغوية إشارة اعتباطية دالة فقط، لا تأخذ معناها الإ عندما تتلبس في مدلول ما. ومن اللغة التي هي تجريد ومن الرياضيات التي هي تجريد أيضاً، يظهر لنا دور الكلمة في تطابق الدال والمدلول، ويتضح لنا معنى أن يقول الله للشيء المراد كن فيكون، وينجلي لنا معنى أن كلمات الله هي الحق وهي الوجود المعين والمحدد، أي أنها انتقال الدال من إشارة اعتباطية الى إشارة صارمة محددة المدلول هي "الكلمة".

فالوجود الذي هو كلمات الله وجود صارم غير اعتباطي، وهذا يلغي القول بالصدفة والاعتباطية في الوجود، إذ الاعتباطية تكون في المجردات فقط وليس في الموجودات. وهذا ما نلاحظه في الانسان. فعندما تفقد الكلمات مدلولاتها ولا يبقى ما يقابلها على أرض الواقع تصبح عدماً، أي مجرد أفكار اعتباطية. ولعل المهرجانات الخطابية وبعض خطب الجمعة في الجوامع خير مثال يوضّح ما نقول."


والقرآن وحي من الله إلى رسوله، ورسالة للناس جميعًا. ذلك الإعجاز الذي أساء فهمه الكثيرون، وحوّله البعض إلى آيات جامدات لها تفسير واحد لا حياد عنه ولا إضافة ولا اجتهاد، أيمكنُ أنّ الله الذي أنزله كي يصبح نهاية الكتب، يرضى بأن يكون تفسيره ضيّقًا محدودًا مُحال التطبيق في غير بيئة معيّنة وزمن معيّن بحيث يستحيل مع المسؤول اليوم أو حتى الفرد العادي أن يسيّر أموره الشخصية إلا في صورة معيّنة؟ وهو ما لا يحدث أصلًا؟

كلّ هذا التناقض بين ما يجب أن يكون عليه المسلمون، وبين ما هم عليه في الحقيقة، ولزمنٍ طويل بَقِيَ بابًا موصدًا مفتاحه بأيدي بعضِ من أتاحوا لأنفسهم أن يحلّوا محلّ الإله، ليقولوا لبقيّة الناس هذا حرام وهذا حلال. فلا يستطيع النّاس سبيلا إلى حلال قد حُرّم عليهم، وموشكون من اقتراف إثمٍ لا يعلمون من جعله كذلك، سوى فلان أو فلان.

[الشريعة الإسلامية شريعة مدنية إنسانية ضمن حدود الله، صالحة لكلّ الأرض ولا داعي لوجود عقيدة جديدة، إن لم توجد حدود ضع أنتَ حدودك، لكنّ الحدود التي تضعها أنتَ متغيّرة، كل شيء يضعه الإنسان لا يأخذ الطابع الأبدي على الإطلاق] حدود الله هي الحدّ الأعلى للعقوبة، قالوا على عمر بن الخطّاب أنّه عطّل حدود الله بعدم إعدام القاتل وإلغاء عقوبة السارق،ما حدث أنّه فقط لم يطبّق الحدّ الأعلى لكنّه عمل ضمن حدود الله بما ارتأى له في حينه. هذا هو الحدّ الأعلى في السرقة، قطع اليد.

نأتي للفرق بين التحريم والنهي، التحريم هو ما حُرِّم في كتاب الله حصرًا. لأنّ التحريم شمولي أبديّ، بينما النهي ظرفيّ. وليس مؤهّلا لوضع أحكام شمولية وأبديّة سوى خالق البشر.

حتى الرسول عليه السلام لم يكن في سلطته التحريم، لكنّه فقط كان ينهى
"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".. كان الرسول عليه السلام يقيّد ويطلق حسب ظروف مجتمعه وبما يتناسب مع أصحابه حينئذ. ما كان يفعله هو تقييد المطلق، كقانون السير مثلا، ولكن حتى تقييد المطلق ظرفيًا وليس أبديًا. وهو ضروري طالما وُجِد مجتمع، فإن الحلال لا يُمارَسُ إلا مقيّدًا وفق ما يناسب المجموع. لا يمارس الحلال مطلقًا إلا لو كنتَ وحدَك !.

تمّت